للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليك اتكالي لا على الناس كلهم … وأنت بحالي عالم ليس تعلم

وأقسمت أني كلما جعت سيدي … ستفتح لي بابًا فأُسقى وأطعم

فقلت له: أوصني بوصية، فأنشأ يقول:

الزم الخوف مع الحزن … وتقوى اللَّه تربح

واترك الدنيا جميعًا … إن تقوى اللَّه أرجح

واجتهد في ظلمة الليل (١) … إذا ما الليل أجنح

واقرع الباب إليه … فلعل الباب يفتح

الثامنة: قال بنان الحمال -رحمه اللَّه تعالى-: كنت في طريق مكة ومعي زاد، فجاءتني امرأة وقالت: يا بنان أنت حمال تحمل على ظهرك، وتظن أنه لا يرزقك؟ قال: فرميت بزادي، ثم أتى عليّ ثلاثة أيام لم آكل، فوجدت خلخالا في الطريق، فقلت في نفسي: أحمله حتى تأتي صاحبته، فربما تعطيني شيئًا، فإذا بتلك المرأة فقالت: أنت تاجر تقول: حتى تجيء صاحبته، وآخذ منها شيئًا، ثم رمت إليّ بشيء من الدراهم وقالت: انفقها، فاكتفيت بها إلى قريب مصر.

وأنشدوا:

كم من قوي قوى في تقلبه … مميز الرأي عنه الرزق منحرف

وكم ضعيف ضعيف في تقلبه … كأنه من ملح البحر يغترف

هذا دليل على أن الإله له … في الخلق سرٌّ خفي ليس ينكشف

التاسعة: حكي عن الشيخ أبي يعقوب البصري -رحمه اللَّه تعالى- أنه قال: جُعت مرة في الحرم عشرة أيام، فوجدت ضعفًا، فحدثتني نفسي أن أخرج إلى الوادي، لعلي أجد شيئًا يسكن به ضعفي، فخرجت فإذا سلجمة مطروحة فأخذتها، فوجدت منها في قلبي وحشة، وكأن قائلا يقول لي: جعت عشرة أيام فآخره يكون حظك سلجمة (٢) مطروحة متغيرة، فرميت بها ودخلت المسجد، فقعدت فإذا برجل جاء فجلس بين يدي، فوضع قمطرة وقال: هذا لك، فقلت: كيف خصصتني بها؟ قال: اعلم أنا كنا في البحر منذ عشرة أيام، فاشرفت السفينة على الغرق، فنذر كل


(١) روى مسلم في صحيحه [١٦٦ - (٧٥٧)] كتاب صلاة المسافرين وقصرها، [٢٣] باب في الليل ساعة متجاب فيها الدعاء، عن جابر قال: سمعت النبي يقول: "إن في الليل لساعة لا يرافقها رجل مسلم يسأل اللَّه خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه، إياه وذلك كل ليلة".
(٢) السَّلجم: اللّفت، واحدته سلجمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>