للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالت: إن الذي أنا فيه من الخطر أولى من اشتغالك بالنظر، قلت: فالدعاء لا بد منه. قالت:

في عذابك تلقى الداعي … هو السيد المنتجب الواعي

والمليح المقبول في السماعي

ثم مرت، وكحلو العيش مرت وقد بلبلت (١) بشرف بالها بلبالي، وقطعت لما قطعت بسيف حبها أوصالي.

فلما كان من الغد إذا أنا برجل يزحف وعليه آثار المآثر، وبه من الحب (تابرة) (٢)، فقلت: إن كان الرجل المشار إليه فهو هذا، فأقبل بإقباله وقبوله علي وقال: نعم هو هو.

قلت: يا سيدي، فلعل إردافي بدعوة تكون لي بها عند الحبيب حظوة، فقال: يا أبا عبد اللَّه، فإنك دعيُّ من ليس لها دعوى. أما عندك من بصر البصيرة ما تعرف به ريحانة الكوفية؟ ولكن يا أبا عبد اللَّه ما أقدر أدعو لك حتى تصل إلى مقام محاينها، وفي غد تراهم وتؤمن بمأمن الوجد أغراهم. ثم غاب عني فلم أره، ثم أدركني من الوجد ما لا أعبر عنه ولا أقدر على فراغي منه، ثم أنشد لسان حالي (٣):

أنا شيخ الهوى بزاوية الحيِّ … ومن يدعي الغرام من كل يدي

والذي مات بالغرام شهيد … ذاك في شرعة الهوى من شهودي

وفقيه مدرس ستر العشق … فمن ذا الذي يكون مُعْيدي؟

وإذا ما دعا المحبة قوم … دع دعواهم فهم من عبيدي


(١) البلبال والبلبالة: شدة الهم والوسواس، جمعها: بلابل، وبلبل القوم أوقعهم في افتراق الآراء واضطرابها.
(٢) كذا بالأصل.
(٣) للصوفية أقوال عجيبة في مظاهر الحب والفناء؛ فقال أبو العباس المرسي، أحد علماء الصوفية: إن للَّه عبادا محو أفعالهم بأفعاله، وأوصافهم بأوصافه، وذواتهم بذواته، وحملهم من أسرارهم ما يعجز عامة الأولياء عن سماعه، وهم الذين غرقوا في بحر الذات وتيار الصفات، فهي إذًا فناءات ثلاث: أن يفنيك عن أفعالك بأفعاله، وعن أوصافك بأوصافه، وعن ذاتك بذاته، فإذا أفناك عنك أبقاك به؛ فالفناء دهليز البقاء، ومنه يدخل إليه؛ فمن صدق فناؤه صدق بقاؤه. ويقول أيضا: صاحب البقاء يقوم عن اللَّه، وصاحب الفناء يقوم اللَّه عنه، والولاية ولاية الصديقين بالفناء عما سوى اللَّه، والبقاء في كل شيء باللَّه وولاية الصادقين بإخلاص العمل للَّه والقيام بالوفاء مع اللَّه طلبا للجزاء من اللَّه.
[مختصرا من لطائف المنن لابن عطاء اللَّه ص ٤٥، ٤٦، ٤٩].

<<  <  ج: ص:  >  >>