للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن وقصتك دابتك فأنت شهيد" (١) فأقاموا بتبوك أياما، فتوفي، فلما هيء اللحد قال: "اللهم إني أمسيت راضيا عنه فارض عنه" قال ابن مسعود: فليتني كنت أنا هو.

وكذا ما رواه أيضا: أن أم زيد بن حارثة زارت قومها، وزيد معها، فأغارت خيل بني القين في الجاهلية، فمروا على أبيات بني معد، فاحتملوا زيدًا وهو يومئذ غلام يفع، فوافوا به السوق فعرضوه للبيع، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بأربعمائة، فلما تزوجها رسول اللَّه وهبته له، وكان أبوه حارثة حين فقده قال:

بكيت على زيد (٢) ولم أدر ما فعل … فهل حيّ فيرجى أم أتى دونه الأجل

فيا ليت شعري هل لك الدهر رجعة … فحسبي من الدنيا رجوعك إلى جبل

تذكرنيه الشمس عند طلوعها … ويعرض ذاكره إذا قارب الظلل

وإن هبت الأرياح هيَّجْنَ ذكره … فيا طول ما حزني عليه وما وجل

سأعمل نص العيس (٣) في الأرض جامعة … فلا أسأم التطواف أو تنام الإبل

حياتي أو تأتي عليّ منيتي … فكل امرئ فان وإن عزه الأمل

وأوصي به قيسًا وعمرًا كلاهما … فأوصي يزيدًا ثم من بعده جبل


(١) روى البخاري في صحيحه [١/ ١٦٧، ١٨٤، ٤/ ٢٩]، ومسلم في صحيحه [١٦٤ - (١٩١٤)] في الإمارة، [٥١] باب بيان الثسهداء، عن أبي هريرة، عنه : "الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل اللَّه ﷿"، قال النووي: قال العلماء: وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضل اللَّه -تعالى- بسبب شدتها وكثرة آلمها، وقد جاء في حديث آخر في الصحيح: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد"، وفي حديث آخر صحيح: "من قتل دون سيفه فهو شهيد" قال العلماء: المراد بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل اللَّه، أنهم يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء، وأما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم، وقد سبق أن الشهداء ثلاثة أقام: شهيد في الدنيا والآخرة، وهو المقتول في حرب الكفار، وشهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا، وهم هؤلاء المذكورون هنا، وشهيد في الدنيا دون الآخرة، وهو من غل في الغنيمة آو قتل مدبرًا. النووي في شرح مسلم [١٣/ ٥٤، ٥٥] طبعة دار الكتب العلمية.
(٢) زيد بن حارثة بن شراحيل، أبو أسامة الكلبي مولى رسول اللَّه القضاعي الكعبي اليماني الهاشمي، صحابي مشهور، من أول الناس إسلامًا، استشهد يوم مؤتة في حياة النبي أخرج له: النسائي وابن ماجه. ترجمته: تهذيب التهذيب [٣/ ٤٠١]، تقريب التهذيب [١/ ٢٧٣]، الكاشف [١/ ٣٣٧]، الجرح والتعديل [٣/ ٥٥٩]، أسد الغابة [٢/ ٢٨١]، الإصابة [٢/ ٩٨]، الاستيعاب [٢/ ٥٤٢].
(٣) العيس: كرام الإبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>