للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني جبل بن حارثة، أخا زيد، ويزيد أخو زيد لأمه.

فحج ناس من كعب قرأوا زيدًا فعرفهم وعوفوه، وانطلقوا إذ أعلموا أباه، فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل بفدائه، فقدما مكة فسألا عن رسول اللَّه فقيل: هو في المسجد، فدخلا عليه، فقالا: يا ابن هاشم، يا ابن سيد قومه أنتم أهل حرم اللَّه وجيرانه، تفكون العاني وتطعمون الأسير، جئناك في ابننا زيد، فمُنَّ علينا به، وأحسن إلينا في فدائه، فإنا سندفع لك من الفداء، قال : "فهلا غير ذلك" قالوا: وما هو؟ قال: "ادعوه فخيروه، فإن اختاركما فهو لكما بغير فداء، وإن اختارني فواللَّه ما أختار على من اختارني أحدًا" (١) قالوا: قد زدتنا على النصف وأحسنت، فدعاه رسول اللَّه فقال: "هل تعرف هذين؟ " قال: نعم؛ هذا أبي، وهذا عمي، قال: "قد علمت صحبتي لك، فاخترني أو اخترهما" فقال زيد: ما أنا بالذي يختار عليك أحدًا يا رسول اللَّه، أنت مني بمكانهما، فقالا: ويحك يا زيد؛ أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟!! فقال: نعم؛ إني قد رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا أبدًا، فلما رأى رسول اللَّه ذلك أخرجه إلى الحجر وقال: "يا معشر من حضر اشهدوا أن زيدًا ابني أرثه ويرثني" (٢) فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما، فدُعي زيد بن محمد، حتى جاء اللَّه بالإسلام فزوجه رسول اللَّه زينب بنت جحش، فلما طلقها تزوجها رسول اللَّه فقيل: تزوج امرأة ابنه، فأنزل اللَّه: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ (٣) ونزل: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾ (٤) فقالوا: زيد بن حارثة.


(١) روى البخاري في صحيحه [٤٧٨٢] كتاب تفسير القرآن، سورة الأحزاب، [١] باب ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٥] عن ابن عمر أن زيد بن حارثة مولى رسول اللَّه ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نزل القرآن ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٥].
(٢) قال النووي: قال العلماء: كان النبي قد تبنى زيدًا ودعاه ابنه، وكانت العرب تفعل ذلك؛ يتبنى الرجل مولاه أو غيره فيكون ابنًا له يوارثه وينتسب إليه حتى نزلت الآية، فرجع كل إنسان إلى نسبه إلا من لم يكن له نسب معروف فيضاف إلى مواليه كما قال اللَّه - تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾ [الأحزاب: ٥]. النووي في شرح مسلم [١٥/ ١٥٨] طبعة دار الكتب العلمية.
(٣) سورة الأحزاب [٤٠].
(٤) سورة الأحزاب [٥].
قال ابن كثير في تفسيره: هذا أمر ناسخ لما كان في ابتداء الإسلام من جواز ادعاء الأبناء الأجانب، وهم الأدعياء، فأمر برد نسبهم إلى آبائهم في الحقيقة، وأن هذا هو العدل والقسط والبر، ولهذا لما نسخ هذا الحكم أباح زوجة الدعي، وتزوج =

<<  <  ج: ص:  >  >>