للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذا ما روى عيد الواحد بن أبي عون قال:

كان الطفيل الدوسي رجلا شريفًا شاعرًا، قدم مكة فلقيه رجال من قريش، فقالوا: إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإن قوله كالسحر؛ يفرق بين الرجل وزوجته وبين الرجل وابنه، وإنا نخشى عليك وعلى قومك منه، فواللَّه ما زالوا بي حتى أجمعت على أن لا أسمع منه شيئًا، فلا أكلمه، فغدوت إلى المسجد وقد حشوت أذني قطنا -فكان يقال له ذو القطنتين (١) - فإذا رسول اللَّه قائم يصلي، فقمت قريبًا منه، فسمعت بعض قوله، فقلت في نفسي: إني رجل لبيب شاعر، ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعنى أن أسمع من هذا شيئًا، فإن كان حسنًا قبلته وإن كان قبيحًا تركته، فمكثت حتى انصرف إلى بيته فدخل، فدخلت معه فقلت: إن قومك قالوا لي كذا وكذا، فاعرض عليَّ أمرك، فعرض عليَّ الإسلام، وتلى عليَّ القرآن، فقلت: واللَّه ما سمعت قولا قط أحسن من هذا، ولا أمرًا أعدل منه، فأسلمت وقلت: يا نبي اللَّه، إني امرئ مطاع في قومي، وإني راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام، فادع اللَّه أن يجعل لي آية تكون لي عونًا عليهم، فقال: "اللهم اجعل له آية" فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت قريبًا منهم وقع نور بين عينيَّ مثل المصباح، فقلت: اللهم في غير وجهي؛ فإني أخشى أن يظنوها مُثْلَة وقعت في وجهي لفراق دينهم، فتحول النور في رأس سوطي، فجعل الحاضرون يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق، فأتاني أبي فقلت: إليك عني، فإنك لست مني ولست منك، فقال: ولم يا بني؟!! قلت: إني أسلمت واتبعت دين محمد، قال: بنيّ، ديني دينك، قلت: اذهب فاغتسل، وطهر ثيابك، ففعل ثم جاء، فعرضت عليه الإسلام، ثم أتتني صاحبتي فقلت: إليك عني لست منك ولست مني، قالت: لم؟!! قلت: فرَّق بيني وبينك الإسلام، إني أسلمت وتابعت محمدًا، قالت: ديني دينك، وأسلمت، ثم دعوت دوسًا إلى الإسلام، فابطأوا عليَّ، فجئت رسول اللَّه فقلت: قد غلبتني دوس، فادع اللَّه عليهم، فقال: "اللهم اهد


= رسول اللَّه بزينب بنت جحش مطلقة زيد بن حارثة . تفسير ابن كثير [٣/ ٤٨٢].
(١) الطفيل بن عمرو الدوسي الأزدي، كان يسمى ذا القطنتين، وقدم المدينة في خلافة أبي بكر، وغزا اليمامة فاستشهد هو وابنه، وكان شريفًا شاعرًا لبيبًا، وقد طول ابن عبد البر ترجمة الطفيل، وساق قصة إسلامه بمكة في آخر الخبر قال: فلما بعث الصديق بعثه إلن مسيلمة قال: خرجت ومعي ابني عمرو فرأيت كان رأسي حلق وخرج من فمي طائر، وكان امرأة أدخلتني فرجها، فأولتها؛ حلق رأسي قطعه، وأما الطائر فروحي، وأما المرأة فالأرض أدفن فيها، فاستشهد يوم اليمامة. انظر تاريخ الإسلام للذهبي، وفيات سنة [١٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>