للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السوق مسرعًا، وأتني بأربعين مثل ما أتيت به، فأسرع الغلام وأتاه بذلك جميعه، فأعطاه الفقير، وأمر حمّالًا أن يحمل معه إلى موضعه، وقال للفقير اذهب به إلى الأربعين الذين ذكرت، فذهب الفقير والحمّال معه إلى أن وصل إلى أصحابه، والنصراني يتبعه من بعيد ليختبر صدقه، فلما دخل الدويرة التي فيها أصحابه وقف النصراني خارج الباب خلف طاق، فوضع الغلام الطعام، ونادى الشبلي وقدم الطعام بين يديه، فشال الشيخ يده منه وقال: يا فقراء سر عجيب في هذا الطعام، ثم أقبل على الفقير الذي أتى بالطعام وقال: أخبرني عن قصة هذا الطعام، فحكى له القصة بكاملها، فقال لهم عند ذلك: أترضون أن تأكلوا طعام نصراني وصلكم به ولم تكافئوه؟ قالوا: وما مكافأته؟ قال: تدعون له قبل أن تأكلوا طعامه، فدعوا له وهو يسمع، فلما رأى النصراني إمساكهم عن الطعام مع حاجتهم إليه، وسمع ما قال لهم الشيخ، قرع الباب ففتحوا له، فدخل وقطع زناره وقال: يا شيخ، مدّ يدك؛ فانا أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، فأسلم النصراني وحسن إسلامه، وصار من جملة أصحاب الشبلي.

الحكاية الثانية: قيل لحذيفة المرعشي (١): ما أعجب ما رأيت من إبراهيم بن أدهم؟ قال: بقينا في طريق أيامًا لم نجد طعامًا، ثم دخلنا الكوفة، فأوينا إلى مسجد خراب، فنظر إليّ إبراهيم بن أدهم وقال: يا حذيفة، أرى بك جوعًا، قلت: هو ما رأى الشيخ، فقال: إليّ بدواة وقرطاس، فجئت به، فكتب بعد البسملة: أنت المقصود بكل حال، والمشار إليه بكل معنى.

أنا حامد أنا شاكر أنا ذاكر … أنا جائع أنا خاضع أنا عاري

هي ستة وأنا الضمين لنصفها … فكن الضمين لنصفها يا باري

مدحى لغيرك لهب نار خضعتها … فأجر عُبيْدك من دخول النار

ثم دفع إليَّ الرقعة وقال: أخرج ولا تعلق قلبك إلا باللَّه تعالى، فادفع الرقعة إلى أول من تلقاه، قال: فخرجت فأول من لقيني رجل على بغلة فناولته الرقعة فأخذها، فلما وقف عليها بكى وقال: وأين صاحب هذه الرقعة؟ قلت: في المسجد الفلاني، فدفع إليّ صُرّة فيها ستمائة دينار، وأُخبرت أنه نصراني، فجئت إلى


(١) حذيفة بن قتادة المرعشي الزاهد القدوة صاحب سفيان الثوري، له قدم في العبادة وكلام نافع، وهو القائل: إن لم تخش أن يعذبك اللَّه على أفضل عملك فأنت هالك. قلت يعني: لما يعتوره من الآفات، وقال: لو وجدت من يبغضني في اللَّه لأوجبت على نفسي حبه.
تاريخ الإسلام، وفيات [٢٠١ - ٢١٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>