للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إبراهيم (١) فأخبرته بذلك فقال: لا تمسَّها فإنه يجيء الساعة، فلما كان بعد ساعة جاء، وأكب على إبراهيم وأسلم، وللَّه در القائل:

يكون أجاجًا دونكم فإذا انتهى … إليكم يلقى طيبكم فيطيب

الحكاية الثالثة: عن الجنيد: قال السري (٢) لي: تكلم على الناس، وكان في قلبي (حتمة) (٣) من الكلام، وكنت أتهم نفسي في استحقاق ذلك، فرأيت رسول اللَّه في المنام ليلة الجمعة فقال لي: تكلم على الناس، فانتبهت، وأتيت باب السري قبل أن يصبح فدققت عليه الباب، فقيل لي: لم تصدقنا حتى قيل لك، فقعد للناس في الجامع بالغداة، فانتشر في الناس أن الجنيد قد تكلم، فوقف عليه غلام نصراني متنكر وقال: أيها الشيخ، ما معنى حديث: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللَّه" (٤) فأطرق الجنيد ثم رفع رأسه وقال: أسلم فقد حان وقت إسلامك، فأسلم وحسن إسلامه.

الحكاية الرابعة: عن إبراهيم الخواص قال: كنت ببغداد وهناك جماعة من الفقراء، فأقبل شاب ظريف طيب الرائحة حسن الوجه، فقلت لأصحابي: يقع لي أنه يهودي، فكره الأصحاب قولي، فخرجت وخرج الشاب، ثم رجع إليهم وقال: إيش قال الشيخ؟ فاحتشموا، فألح عليهم، فأخبروه بما قال الشيخ، فأسلم على يديه، فقيل له في ذلك، فقال: نجد في كتبنا أن الصدِّيق لا تخطئ فراسته (٥)، فقلت في


(١) من أقواله: أخاف ألا يكون لي أجر في تركي أطيب الطعام؛ لأني لا أشتهيه. وكان إذا جلس على طعام طيب رمى إلى أصحابه، وقغ بالخبز والزيتون، وعن إبراهيم أيضًا قال: كل ملك لا يكون عادلًا فهو واللص سواء، وكل عالم لا يكون ورعًا فهو والذئب سواء، وكل من يخدم سوى اللَّه فهو والكلب بمنزلة واحدة. تاريخ الإسلام، وفيات [١٦١ - ١٧٠].
(٢) السري بن المغلس أبو الحسن السقطي البغدادي الزاهد، علم الأولياء في زمانه، صحب معروفًا الكرخي، وحدث عن الفضيل بن عياض وهشيم وأبي بكر بن عياش وعلي بن غراب ويزيد بن هارون، وعنه: أبو العباس بن مسروق، والجنيد، وأبو الحسن النوري، وإبراهيم بن عبد اللَّه المخزومي، وقال عنه الفرجاني: سمعت الجنيد يقول: ما رأيت أعبد للَّه من السري؛ أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رُئي مضطجعًا إلا في علة الموت. تاريخ الإسلام للذهبي، وفيات [٢٥١ - ٢٦٠].
(٣) كذا بالأصل.
(٤) أخرجه الترمذي في سننه [٣١٢٧] كتاب تفسير القرآن، من سورة الحجر، والطبراني في المعجم الكبير [٨/ ١٢١]، وأبو نعيم في حلية الأولياء [٤/ ٩٤، ٦/ ١١٨]، والزبيدي في الإتحاف [٦/ ٥٤٤]، والذهبي في الميزان [٨٠٩٨]، والعجلوني في كشف الخفا [١/ ٤٢].
(٥) من كرامة الصديق أنه كان يأكل هو وأضيافه من القصعة، فلا يأكلون لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها، فشبعوا وهي أكثر مما كان فيها قبل أن يأكلوا، وكان من فراسته قوله لعائشة في مرضه =

<<  <  ج: ص:  >  >>