للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسي: أمتحن المسلمين فإن كان فيهم صدّيق ففي هذه الطائفة يوجد، لأنهم يقولون: إنه من يترك ما سوى اللَّه فعرفت صديقية هذا الشيخ بذلك، وصار هذا الشاب من كبار الصوفية.

الحكاية الخامسة: عن بعض الصالحين أنه كان يتكلم في الناس ويعظهم، فمر عليه في بعض الأيام يهودي وهو يخوفهم، ويقرأ قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ (١) فقال اليهودي: إن كان هذا الكلام حقًا، فنحن وأنتم سواء، فقال له الشيخ: لا، ما نحن سواء؛ نحن نرد ونصدر، وأنتم تردون ولا تصدرون، ننجوا نحن منها بالتقوى، وتبقون أنتم بها جثيًا بالظلم، وقرأ الآية الثانية: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (٧٢)(٢) فقال اليهودي: نحن المتقون، فقال الشيخ: كلا نحن، وتلا قوله تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ إلى قوله: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ (٣).


= الذي مات فيه في وصيته لها، وذكر لها أختها ولم يكن لها أخت إلا أسماء وزوجته حامل، فإذا بها تلد بنتًا كما قال الصديق .
(١) سورة مريم [٧١].
روى أحمد في مسنده عن أبي سمية قال: اختلفنا في الورود، فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن، وقال بعضهم: يدخلونها جميعًا، ثم ينجي اللَّه الذين اتقوا، فلقيت جابر بن عبد اللَّه فقلت له: إنا اختلفنا في الورود، فقال: يردونها جميعًا. تفسير ابن كثير [٣/ ١٣٦].
(٢) سورة مريم [٧٢].
﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ [مريم: ٧٢] أي إذا مر الخلائق كلهم على النار وسقط فيها من سقط من الكفار والعصاة ذوي المعاصي بحسبهم، نجى اللَّه -تعالى- المؤمنين المتقين منها بحسب أعمالهم، فجوازهم على الصراط وسرعتهم بقدر أعمالهم التي كانت في الدنيا، ثم يشفعون في أصحاب الكبائر من المؤمنين، فيشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون، فيخرجون خلقًا كثيرًا قد أكلتهم النار إلا دارات وجوههم، وهي مواضع السجود، وإخراجهم إياهم من النار بحسب ما في قلوبهم من الإيمان، فيخرجون أولًا من كان في قلبه مثقال دينار، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه حتى يخرجوا من كان في قلبه أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، ثم يخرج اللَّه من النار من قال بومًا من الدهر: لا إله إلا اللَّه. المرجع السابق [٣/ ١٣٨].
(٣) سورة الأعراف [١٥٦، ١٥٧].
قوله تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٥٦] آية عظيمة الشمول والعموم، روى أحمد في مسنده [٤/ ٣١٢]، وروى أبو داود في سننه [٤٨٨٥] عن جندب أن أعرابيًا جاء فأناخ راحلته ثم عقلها، ثم صلى خلف رسول اللَّه ، فلما صلى رسول اللَّه أتى راحلته فأطلق عقالها، ثم ركبها، ثم نادى: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا تشرك في رحمتنا أحدًا، فقال رسول اللَّه : "أتقولون هذا أضل أم بعيره؟ ألم تسمعوا ما قال؟! قالوا: بلى، قال: "لقد حظرت رحمة واسعة، إن اللَّه ﷿ خلق مائة رحمة، فأنزل رحمة يتعاطف بها الخلق، جنها وإنسها وبهائمها، =

<<  <  ج: ص:  >  >>