للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودعوه إلى عبادة اللَّه ﷿ فأجابهم إلى ذلك، وخرج من ملكه هاربًا تائبًا إلى اللَّه رحمة اللَّه عليه.

الحكاية الثامنة: روي أنه تحارب ملكان من ملوك اليمن في قديم الزمان، فغلب أحدهما صاحبه وقتله، وشرد أصحابه، وهيأت له السرر، وزينت له دار الملك، وتلقاه الناس ليدخل، فبينما هو فى بعض السكك يقصد دار الملك، فوقف له رجل يُنسب إلى الجنون (١)، فأنشده:

تسمع من الأيام إن كنت حازما … فإنك فيها بين ناه وآمر

وكم ملك قد ركم التراب فوقه … وعهدي به بالأمس فوق المنابر

إذا كنت في الدنيا بصيرًا فإنما … بلاغك منها مثل زاد المسافر

إذا أبقت الدنيا على المرئ دينه … فما فاته منها فليس لصائر

فقال له: صدقت، ونزل عن فرسه، وفارق أصحابه، ورقى الجبل، وأقسم على أصحابه أن لا يتبعه أحد، فكان آخر العهد به.

الحكاية التاسعة: عن شاة الكرماني: أنه خرج إلى العبيد وهو ملك كرمان، فأمعن في الطلب حتى وقع في برية مقفرة وحده، وإذا هو بشاب راكب على سبع وحوله سباع، فلما رأته ابتدرت نحوه، فزجرها الشاب، فلما دنا منه سلّم عليه وقال: يا شاة، ما هذه الغفلة عن اللَّه تعالى؟ اشتغلت بدنياك عن آخرتك، وبلذاتك وهواك عن خدمة مولاك، إنما أعطاك الدنيا لتستعين بها على خدمته فجعلتها ذريعة إلى الاشتغال عنه.

فبينما هو يحدثه، إذ خرجت عجوز بيدها شربة ماء، فناولتها الشاب، فشرب، ودفع باقيه إلى شاة (٢) فشربه وقال: ما شربت شيئًا ألذّ منه، ولا أبرد، ثم غابت، فقال الشاب: هذه الدنيا، وكّلها اللَّه بخدمتي، فما احتجت لشيء إلا أحضرته لي


(١) هناك في عقلاء المجانين الكثير منهم كلما ذكر الذهبي البهلول بن عمرو أبو وهب الصيرفي الكوفي، كان جيًا في دولة الرشيد، وسوس في عقله، وما اْظنه اختلط أو قد كان يصحو في وقت، فهو معدود في عقلاء المجانين، له كلام حسن وحكايات، وتأتي ترجمته بأوسع من ذلك قريبًا.
(٢) شاة بن شجاع أبو الفوارس الكرماني الزاهد، قال السلمي: كان من أولاد الملوك فتزهد وصحب أبا تراب النخشبي وغبره، ومات قبل الثلاثمائة، وقال أبو نعيم: كان من أبناء الملوك فتشمر للسلوك، فعنه قال: من عرف ربه طمع في عفوه، ورجا فضله، وقال إسماعيل بن مخلد: كان شاة بن شجاع حاد الفراسة قل ما أخطأت فراسته. تاريخ الإسلام، وفيات [٢٩١ - ٣٠٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>