للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدسه، يفرق به بين الحق والباطل، ويبصر به عيوب نفسه، وإني أريد أن أعلمك اسم اللَّه الأعظم (١) فإذا أنت جعت أو عطشت فادع اللَّه به، فإنه سيشبعك ويرويك، يا ابن أدهم إذا جالست الأخيار والفقراء فكن لهم أرضًا يطئونك، ولا تغضبهم؛ فإن اللَّه ﷿ يغضب لغضبهم، ويرضى لرضاهم، قال: ثم علمني الاسم الأعظم (٢) ثم قال: أستودعك الحي الذي لا يموت، ثم حجب عني، فأخذت الطريق، فإذا أنا بفتى حسن الوجه طيب الرائحة، مليح (الترة) (٣)، فسلمت عليه، فرد السلام وقال: ما حاجتك يا ابن أدهم؟ ومن لقيت في سفرك هذا؟ فقلت: لقيت شيخًا من صفته كذا وكذا، وعلمني كذا وكذا، فبكى الفتى وأبكاني، فقلت له: يا سيدي أقسمت عليك باللَّه -تعالى- من ذلك الشيخ، ومن أنت؟ فقال: أما الشيخ فأخي إلياس، وأنا أبو العباس الخضر (٤)، قال: ففرحت فرحًا شديدًا، وألزمته إلى صدري وقبلته بين عينيه وصافحته وسألته الدعاء فدعا لي بالثبات والعصمة، ثم غاب عليّ فلم أدر أين ذهب. وهذه القصة حالي في ابتداء أمري.

وهذه رواية، والمشهور أن بدأته أنه طرح يومًا يصطاد، فأثار ثعلبًا أو أرنبًا، فبينما هو في طلبه، إذ هتف به هاتف: ألهذا خلقت، أم بهذا أمرت، ثم هتف به من قربوس (٥) سرجه كذلك، فنزل عن مركوبه، وصادف راعيًا لأبيه، فأخذ جبته -وهي


(١) روى أبو داود في سننه [١٤٩٣]، والترمذي في سننه [٣٤٧٥] عن بريدة أن رسول اللَّه سمع رجلا يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت اللَّه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، فقال: "لقد سألت اللَّه باسمه الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب".
(٢) روى أبو داود في سننه [١٤٩٦] عن أسماء بنت يزيد أن النبي قال: "اسم اللَّه الأعظم في هاتين الآيتين ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)﴾ [البقرة: ١٦٣] وفاتحة آل عمران ﴿الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ " وكذا رواه الترمذي [٣٤٧٢] وقال: حسن صحيح.
(٣) كذا بالأصل.
(٤) جمهور العلماء على أنه حي موجود بين أظهرنا، وذلك تفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة، وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن يحصر، وأشهر من أن يستر، وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: هو حي عند جماهير العلماء والصالحين، والعامة معهم في ذلك، قال: وإنما شذ بإنكاره بعض المحدثين، قال الحبري المفسر وأبو عمر: وهو نبي، واختلفوا في كونه مرسلا، وقال القشيري وكثيرون: هو ولي، وحكى الماوردي في تفسيره ثلاثة أقوال؛ أحدها: نبي، والثاني: ولي، والثالث: أنه من الملائكة، وهذا غربب باطل. النووي في شرح مسلم [١٥/ ١١١] طبعة دار الكتب العلمية.
(٥) القربوس: الجزء المرتفع المقوس من السرج، جمعها قرابيس.

<<  <  ج: ص:  >  >>