للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صوف - فلبسها، وأعطاه فرسه وما معه، ثم دخل البادية وكان من أمره ما كان.

الحكاية الثانية عشر: عن محمد بن المبارك قال: كان موسى بن محمد الهاشمي من أنعم بني أمية عيشًا، وأرخاهم بالًا؛ يعطي نفسه شهوتها من صنوف اللذات في المأكل (١) والمشرب والملبس والطيب والجواري والغلمان، ليست له همة ولا فكرة إلا في الذي هو فيه من عيشه ولذته، وكان شابًا جميلًا وجهه كاستدارة القمر، وكان ذا مال يدخل كل حول نحوًا من ثلاثمائة ألف وثلاثة آلاف درهم، يصرفه كله في النعيم، وكان له مستشرف عال يقعد فيه العشاء ويشرف على الناس، له أبواب على الجادة وأخرى على بستانه، وقد ضرب فيه قبة عاج مضيئة بالفضة مطلية بالذهب، وهو على سرير عليه غلالة قصب، وعلى رأسه عمامة مكللة باللآلئ ومعه في القبة ندماؤه وإخوانه، وقد وقف على رأسه الخدم، والقينات في مجلس آخر خارج القبة، يُمسكن تارة ويندفعن أخرى بإشارته.

هذا دأبه ليلا ونهارًا في اللعب والتيه، حتى مضى له سبع وعشرون سنة، فبينما هو ذات ليلة في قبته، إذ سمع نغمة من صوت شجي خلاف ما سمعه من مطربته، فأخذ بقلبه فأحضره، وإذا هو شاب نحيل ذبل شعث ضمر، وعليه طمران، حافي، قائم في المسجد يناجي ربه، فقال: أيها الشاب أسمعني ما كنت تقول، فتعوذ وقال: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣)﴾ إلى قوله: ﴿بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ (٢)، ثم وعظه (وذكر) (٣) صحن


(١) روى ابن حبان في صحيحه [١٣٤٩ - الموارد، حديث "حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه" وذكره الحافظ ابن حجر في الفتح [١٠/ ١٢٨] بلفظ "حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه"، وذكره ابن الجوزي في تلبيس إبليس [٢١٤] بلفظ "حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه".
(٢) سورة المطففين [٢٢ - ٢٨].
أي في نعيم يوم القيامة هم في نعيم مقيم وجنات فيها فضل عميم ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ وهي السرر تحت الحجال ﴿يَنْظُرُونَ﴾ قيل: ينظرون في ملكهم وما أعطاهم اللَّه من الخير والفضل الذي لا ينقضي ولا يبيد ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤)﴾ أي تعرف إذا نظرت إليهم في وجوههم نضرة النعيم أي صفة الترافة والحشمة والسرور والدعة والرياسة مما هم فيه من النعيم العظيم، ﴿يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥)﴾ أي من خمر الجنة، والرحيق من أسماء الخمر قاله ابن مسعود وابن عباس ومجاهد والحسن ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾ أي خلطة مسك ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ أي وفي مثل هذا الحال فليتفاخر المتفاخرون وليتباهى ويكاثر ويستبق إلى مثله المستبقون ﴿وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧)﴾ أي من شراب تسنيم، وهو أشرف شراب أهل الجنة يشربها المقربون.
مختصرًا عن تفسير ابن كثير [٤/ ٤٨٧].
(٣) كذا بالأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>