للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان الرواح خرج بالبعير فقرَّبه إليّ وولى عني، فإذا ركبت أخذ برأسه، ولم يلتفت وراءه حتى أنزل، فلم يزل كذلك حتى قدمنا المدينة، فجزاه اللَّه من صاحب خيرًا، فدخلت على أم سلمة وأنا متنقبة، فما عرفتني حتى انتسبت، فلما كشفت النقاب التزمتني، وقالت: هاجرت إلى رسول اللَّه ، قلت: نعم، وإني أخاف أن يردني كما رد أبا جندل (١) وحال الرجال ليس كحال النساء، وقد طالت غيبتي عن قومي، ولي خمسة أيام منذ فارقتهم، وهم يتحينون قدر ما كنت أغيب، ثم يطلبوني، فإن لم يجدوني رحلوا، فدخل رسول اللَّه على أم سلمة فأخبرته خبر أم كلثوم، فرحب بها، فقالت: إني فررت إليك بديني، فامنعني ولا تردني إليهم يفتنوني ويعذبوني، ولا صبر لي على العذاب، إنما أنا امرأة، وضعف النساء إلى ما تعرف، فقال: "إن اللَّه ﷿ قد نقض العهد في النساء، وحكم بحكم رضوه كلهم" (٢) وكان النبي لا يرد النساء، فقدم أخوها الوليد وعمارة من الغد فقالا: أوف لنا بشرطنا وما عاهدتنا عليه، فقال: "قد نقض اللَّه ذلك" فانصرفا، وكانت أم كلثوم عاتقًا حينئذ، فتزوجها زيد بن حارثة، فلما قتل عنها تزوجها الزبير، فولدت له زينب، ثم تزوجها عبد الرحمن بن عوف (٣) فولدت له إبراهيم وحميدًا، ثم تزوجها عمرو بن العاص، فماتت عنده.

الحكاية السادسة بعد العشرين: عن الحسن البصري -رحم اللَّه تعالى- قال: كانت امرأة بغيّ في زمن بني إسرائيل لها ثلث الحُسن لا تمكن من نفسها إلا بمائة دينار، وإنه أبصرها عابد فأعجبته، فذهب يعمل بيده، وعالج حتى جمع مائة دينار،


(١) أبو جندل بن سهيل بن عمرو، اسمه العاص من خيار الصحابة، وهو الذي جاء يوم صلح الحديبية يرسف في قيوده، وكان أبوه قيده لما أسلم، فقال أبوه للنبي : هذا أول ما أقاضيك عيه أن ترده، فرده. له صحبة وجهاد، توفي بطاعون عمواس، وقتل أخوه عبد اللَّه يوم اليمامة، وكان بدريًا. تاريخ الإسلام، وفيات سنة [١٨].
(٢) كان ذلك كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ [الممتحنة: ١٠] قال ابن عباس: لما سئل على امتحان رسول اللَّه النساء، قال: "كان يمتحنهن: باللَّه ما خرجت من بغض زوج؟ وباللَّه ما خرجت رغبة من أرض إلى أرض؟ وباللَّه ما خرجت التماس دنيا؟ وباللَّه ما خرجت إلا حبًا للَّه ولرسوله؟.
(٣) عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب، أبو محمد القرشي الزهري، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى، كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، وكان مولده بعد الفيل بعشر سنين، وتوفي سنة [٣٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>