للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم جاء إليها وقال: إنك أعجبتيني، فانطلقت فعملت بيدي وعالجت (١) حتى جمعت مائة دينار، فقالت له: ادخل، وكان لها سريرًا من ذهب فجلست على سريرها ثم قالت: هلم، فلما جلس منها مجلس الرجل من المرأة، ذكر مقامه بين يدي اللَّه -تعالى- فأخذته رعدة فقال لها: اتركيني أخرج ولك المائة دينار، فقالت: ما بدا لك، وقد زعمت أني أعجبتك، فلم قدمت على فعلك الذي فعلت؟ فقال: فرقا من اللَّه، ومن مقامي بين يديه، وقد بغضك اللَّه إليّ، فأنت أبغض الناس إليَّ (٢) قالت: إن كنت صادقًا فمالي زوج غيرك، فقال: دعيني أخرج، قالت: لا إلا أن تجعل لي أنك تتزوج بي، قال: فلعل تقنع بتوبة، وخرج إلى بلده فارتحلت نادمة على ما كان منها، حتى قدمت بلده، فسألت عن اسمه ومنزله، فدُلَّت عليه، وكانت تُعرف بالملكة، فقيل له: إن الملكة قد جاءتك، فلما رآها شهق شهقة فمات قال: فسقط في يدها وقالت: أما هذا فقد فاتني، فهل له من قريب؟ قالوا: أخوه رجل فقير، قالت: وأنا أتزوج به حبًا لأخيه، فتزوجته، فنسل اللَّه منهما سبعة أبناء.

الحكاية السابعة بعد العشرين: عن رجاء بن عمرو النخعي قال: كان في الكوفة فتى جميل الوجه، شديد التعبد والاجتهاد، وكان أحد الزهاد فنزل في جوار قوم من النخع، فنظر إلى جارية جميلة فهويها، فهام بها عقله، ونزل بها مثل الذي نزل به، فأرسل يخطبها من أبيها، فأخبره أبوها أنها مسماة لابن عمها، فاشتد عليهما ما يقاسيان من ألم الهوى، فأرسلت إليه: قد بلغني شىرة محبتك لي، وقد اشتد بلائي بك (٣) فإن شئت زرتك، وإن شئت سهلت لك إلى أن تأتيني إلى منزلي، فقال للرسول: لا واحدة من هاتين الخصلتين ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ (٤).


(١) عالج الشيء معالجة: زاوله ومارسه.
(٢) قال تعالى في قصة يوسف. : ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ [يوسف: ٢٤] كذا يفعل اللَّه بعباده الطائعين المجتنبين للمعاصي والمطهرين المختارين المصطفين الأخيار من صفوة خلقه، وعلى رأسهم الأنبياء ثم الأولياء والصالحون.
(٣) في السبعة الذين يظلهم اللَّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله كما ورد في صحيح مسلم [٩١ - (١٠٣١)] كتاب الزكاة، [٣٠] باب فضل إخفاء الصدقة، عن أبي هريرة، وفيه عنه : "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف اللَّه".
(٤) سورة الأنعام [١٥]، يونس [١٥]، الزمر [١٣].
وقال النووي في حديث السبعة المتقدم قبل هذا: قال القاضي: يحتمل قوله أخاف اللَّه باللسان، ويحتمل قوله في قلبه ليزجر نفسه، وخص ذات المنصب والجمال لكثرة الرغبة فيها، وعسر حصولها وهي جامعة للمنصب والجمال لا سيما، وهي داعية إلى نفسها طالبة لذلك، قد =

<<  <  ج: ص:  >  >>