للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخاف نارًا لا يخبو سعيرها، ولا يخمد لهبها، فلما انصرف الرسول إليها وأخبرها بما قال قالت: وأراه مع ذلك زاهدًا يخاف اللَّه، فقالت: واللَّه ما أحد أحق بهذا الأمر مني، وإن العباد فيه لمشتركون، ثم انخلعت من الدنيا، وألقت علائقها خلف ظهرها، ولبست المسوح وجعلت تتعبد، وهي مع ذلك تذوب وتنحل وتزداد حبًا للفتى وأسفًا عليه حتى ماتت، فكان الفتى يأتي إلى قبرها، فرآها في منامه، وكأنها في أحسن منظر، فقال: كيف أنت وما لقيتي؟ قالت: المحبة يا أخي محبتك حبًا يقود إلى خير وإحسان، فقال لها: على إثر ذلك إلام صرت؟ قالت: إلى نعيم وعيش لا زوال له في جنة الخلد مُلك ليس بالفاني، فقال لها: أذكرتيني هناك، فإني لست أنساك؟ فقالت: ولا أنا واللَّه أنساك، ولقد سألت ربي مولاي ومولاك فأعني على ذلك بالاجتهاد، ثم ولت مدبرة، فقال لها: متى أراك؟ قالت: ستأتينا عن قريب، ولم يعش الفتى بعد الرؤيا إلا سبع ليال.

الحكاية الثامنة بعد العشربن: عن بعض السلف -رحمة اللَّه عليه- قال: كان لقمان عبدًا حبشيًا لرجل جاء به إلى السوق يبيعه، فكان لقمان كلما جاء إنسان يشتريه قال له: ما تصنع بي؟ فإذا قال: أصنع بك كذا وكذا وكذا، قال: حاجتي إليك أن لا تشتريني حتى جاء رجل فقال لقمان: (١) ما تصنع بي؟ قال: أصيرك بوابًا على بابي، قال: فاشترني، فاشتراه وجاء به إلى داره، وكان له ثلاث بنات يبغين في القرية، فأراد أن يخرج إلى ضيعة له، فقال له: إني أدخلت إليهن طعاما وما يحتجن إليه، فإذا خرجت فأغلق الباب واقعد من ورائه ولا تفتحه حتى أجئ، فلما خرج فعل ما أمره به مولاه، فقال له البنات: افتح الباب، فأبى عليهن، فشججنه، فغسل الدم وجلس، فلما قدم سيده لم يخبره بشيء، ثم أراد سيده الخروج أيضًا فقال: إني قد أدخلت إليهن ما يحتجن إليه، فلا تفتح الباب، فلما خرج سيده خرجن إليه، وقلن له: افتح الباب فأبى، فشججنه، فغسل الدم وجلس، فلما أن جاء مولاه لم يخبره


= أغنت عن مشاق التوصل إلى مراودة ونحوها، فالصبر عنها لخوف اللَّه -تعالى- وقد دعت إلى نفسها مع جمعها المنصب والجمال - من أكمل المراتب وأعظم الطاعات. النووي في شرح مسلم [٧/ ١٠٩] طبعة دار الكتب العلمية.
(١) اختلف السلف في لقمان؛ هل كان نبيًا أو عبدًا صالحًا من غير نبوة على قولين: الأكثرون على الثاني، وقال سفيان الثوري عن الأشعث، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "كان لقمان عبدًا حبشيًا نجارًا"، وقال قتادة: عن عبد اللَّه بن الزبير، قلت لجابر بن عبد اللَّه: ما انتهى إليكم من شأن لقمان؟ قال: كان قصيرًا أفطس الأنف من النوبة، وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب قال: كان لقمان من سودان مصر ذو مشافر، أعطاه اللَّه الحكمة ومنعه النبوة. تفسير ابن كثير [٣/ ٤٥٨، ٤٥٩].

<<  <  ج: ص:  >  >>