للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشيء، فقالت الكبيرة منهن: ما بال هذا العبد الحبشي أولى بطاعة اللَّه مني، واللَّه لأتوبن، فتابت، فقالت الصغرى: ما بال هذا العبد الحبشي، وهذه الكبرى أولى بطاعة اللَّه مني، واللَّه لأتوبن (١) فتابت، فقالت الوسطى: ما بال هذا العبد الحبشي وهاتين أولى بطاعة اللَّه مني، فتابت، فقالت غواة القرية: ما بال هذا العبد الحبشي وبنات فلان أولى بطاعة اللَّه منا، واللَّه لنتوبن، فتاب الجميع وصاروا عبَّاد القرية.

الحكاية التاسعة بعد العشرين: عن بعضهم قال: كنا نمشي على شاطئ الإيلة في الليل والقمر طالع، فمررنا بقصر لجندي، وفيه جارية تضرب بالعود، وإلى جانب القصر فقير عليه خرقتان، فسمع الجارية وهي تقول:

في سبيل اللَّه ود … كان مني إليك يبذل

كل يوم تتلون … غير هذا بك أجمل

فصاح الفقير وقال: اعبديه يا جارية، فهذا حالي مع اللَّه -تعالى- فنظر صاحب الجارية إليه وقال لها: اتركي العود وأقبلي عليه فإنه صوفي، فأخذت تقول والفقير يقول: هذا حالي مع اللَّه -تعالى- والجارية تردد إلى أن صاح الفقير صيحة وخرّ مغشيًا عليه، فحركناه فإذا هو ميت، فنزل صاحب القصر، فأدخله القصر فاغتممنا وقلنا: هذا يكفنه بكفن غير طيب، فصعد الجندي وكسر كل ما كان بين يديه، فقلنا: ما بعد هذا الأخير، ومضينا إلى الإيلة، وأعلمنا الناس.

فلما أصبحنا رجعنا إلى القصر، فإذا الناس يقبلون من كل وجه إلى الجنازة، كأنما نودي للبصرة حتى خرج القضاة والعدول وغيرهم، والجندي يمشي خلف الجنازة حافيا حاسرًا حتى دفن، فلما هم الناس بالانصراف، قال الجندي للقاضي والشهود: اشهدوا أن كل جارية لي حرة لوجه اللَّه -تعالى- وكل ضياعي وعقاراتي في سبيل اللَّه، ولي في صندوق كذا وكذا أربعة الآف دينار، وهي في سبيل اللَّه (٢) ثم


(١) للتوبة ثلاثة أركان: الإقلاع، والندم على فعل تلك المعصية، والعزم على أن لا يعود إليها أبدًا، فإن كانت المعصية لحق آدمي فلها ركن رابع وهو: التحلل من صاحب ذلك الحق، وأصلها الندم، وهو ركنها الأعظم، واتفقوا على أن التوبة من جميع المعاصي واجبة، وأنها واجبة على الفور لا يجوز تأخيرها، سواء كانت المعصية صغيرة أو كبيرة. النووي في شرح مسلم [١٧/ ٥٠] طبعة دار الكتب العلمية.
(٢) الهبة: كل ما من شأنه أن يقرب من قلوب الناس ويغرس فيها المحبة ويؤكد فيها روابط الود، مطلوب في نظر الشريعة الإسلامية، ويتفاوت طلبه بتفاوت حاجة الناس إليه، فما كان لازمًا ضروريًا لحياتهم كان القيام به فرضًا لازمًا على كل فرد من الأفراد كزكاة الأموال التي فرضها اللَّه -تعالى- بقوله: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ [المعارج: ٢٥] لأن مما لا بد =

<<  <  ج: ص:  >  >>