للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ (١) ثم آخيته، فاصطحبنا بعد ذلك أربعين سنة حتى مات، فرأيته في المنام فقلت: إلام صرت؟ قال: إلى الجنة، قلت: بماذا؟ قال: بقرائتك عليّ ﴿وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠)﴾.

وأنشدوا:

بادر الى التوبة الخلصاء مجتهدًا … فالموت ويحك لم يمدد إليك يدًا

فإنما المرء في الدنيا على خطر … إن لم يكن ميتا اليوم مات غدًا

الحادية بعد الثلاثين: عن إسماعيل بن عبد اللَّه الخزاعي قال: قدم رجل من المهابة من البصرة أيام البرامكة (٢) في حوائج له، فلما فرغ منها انحدر إلى البصرة ومعه غلام له وجارية، فلما صار في دجلة إذا بفتى على ساحل دجلة عليه جبة صوف، وبيده عكاز ومزود، فسأل الملاح أن يحمله إلى البصرة، ويأخذ من الكرى، فأشرف المهلبي، فلما رآه رق له فقال للملاح: قَرِّب واحمله معك على الظلال (٣)، فحمله فلما كان وقت الغداء، دعا بالسفرة وقال للملاح: قل للفتى يتغدى معنا، فأبى عليه، فلم يزل يطلبه حتى أتى، فأكلوا حتى إذا فرغوا ذهب الفتى ليقوم فمنعه الرجل، ثم دعا بشراب فشرب قدحًا، ثم سقى الجارية، ثم عرض على الفتى فأبى، فسقى الجارية وقال: هاتي ما عندك، فأخرجت جمودًا لها في غشاء فهيأته وأصلحته، ثم غنت، فقال: يا فتى، أتحسبن مثل هذا؟ قال: أُحسن ما هو أحسن من هذا، فافتتح الفتى: بسم اللَّه الرحمن الرحيم ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٤) (٧٧) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ (٥) وكان الفتى


(١) سورة البقرة [٢٢٢].
(٢) كان سبب هلاك البرامكة أن الرشيد كان لا يصبر عن جعفر وعن أخته عباسة بنت المهدي، قال: وكان يحضرها مجلس الشراب فقال: أزوجكها على أن لا تمسها، فكانا يثملان من الشراب وهما شابان ويقوم الرشيد، فوثب جعفر عليها فولدت منه غلامًا، فخافت الرشيد، فوجهت بالطفل مع حواضن إلى مكة واختفى الأمر، ثم ضربت جارية لها، فوشت بها إلى الرشيد، ثم كان ما كان من قتل جعفر وسائر البرامكة. انظر تاريخ الإسلام، وفيات [١٨١ - ١٩٠].
(٣) كذا بالأصل.
(٤) الفتيل: الخيط الذي في شق النواة، يقال: ما أغنى عنه فتيلًا أي شيئًا.
(٥) سورة النساء [٧٧، ٧٨]. أي آخرة المتقي خير من دنياه ﴿وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٧٧] أي من أعمالكم بل توفونها أتم الجزاء، وهذه تسلية لهم عن الدنيا، وترغيب لهم في الآخرة، وتحريض لهم على الجهاد، وقوله ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨] أي أنتم صائرون إلى الموت لا محالة ولا ينجو منه أحد منكم كما قال تعالى ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦)﴾ [الرحمن: ٢٦] الآية، وقال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران: ١٨٥]، =

<<  <  ج: ص:  >  >>