للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسن الصوت، فرمى الرجل بالقدح في الماء، وقال: أشهد أن هذا أحسن مما سمعت، فهل غير هذا؟ قال: نعم ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (٢٩)(١).

فوقعت من قلبه موقعًا، فرمى ظرف الشراب بما فيه، وكسر العود، ثم قال: يا فتى ههنا فرج؟ قال: نعم ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣)(٢) فصاح صيحة وخر مغشيا عليه، فنظروا إليه فإذا هو فارق الدنيا، وكان رجلا معروفًا، فحمل إلى منزله واجتمع الناس، فما رأيت جنازة أكثر جمعًا منه.

قال: وبلغني أن الجارية المغنية تدرعت الشعر فوق الصوف، وجعلت تصوم النهار وتقوم الليل، فمكثت أربعين ليلة، ثم مرت بهذه الآية في بعض الليالي (٣) ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (٢٩)(٤) فلما كان الصبح وجدوها ميتة.

الثانية بعد الثلاثين: عن مالك بن دينار -رحمة اللَّه عليه- أنه كان يومًا ماشيًا في أزقة البصرة، فإذا هو بجارية من جواري الملوك راكبة ومعها الخدم، فلما رأى


= وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾ [الأنبياء: ٣٤] والمقصود أن كل أحد صائر إلى الموت لا محالة ولا ينجيه من ذلك شيء سواء جاهد أو لم يجاهد فإن له أجلًا محتومًا ومقامًا مقسومًا. تفسير ابن كثير [١/ ٥٢٦].
(١) سورة الكهف [٢٩].
(٢) سورة الزمر [٥٣].
هذه الآيات دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة وإخبار بأن اللَّه يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها وإن كانت مهما كانت وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر، ولا يصح حمل هذه على غير توبة لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه. تفسير ابن كثير [٤/ ٥٨].
(٣) يقول تعالى لرسوله محمد : وقل يا محمد للناس: هذا الذي جئتكم به من ربكم هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ هذا من باب التهديد والوعيد الشديد، ولهذا قال: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا﴾ أي أرصدنا ﴿لِلظَّالِمِينَ﴾ وهم الكافرون باللَّه ورسوله وكتابه ﴿نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ أي سورها ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾ قال ابن عباس: المهل الماء الغليظ مثل دردي الزيت. تفسير ابن كثير [٣/ ٨٣، ٨٤].
(٤) سورة الكهف [٢٩].

<<  <  ج: ص:  >  >>