للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالك نادى: أيتها الجارية، أيبيعك مولاك؟ قالت: ولو باعني، كان مثلك يشتريني؟ قال: نعم وخيرًا منك؟ فضحكت، وأمرت به أن يحمل به إلى دارها، فحُمل، فدخلت إلى مولاها فأخبرته، فضحك وأمر أن يدخل به إليه، فأُدخل فأُلقيت له الهيبة في قلب السيد قال: ما حاجتك؟ قال: بعتي جاريتك، قال: أو تطيق ثمنها؟ قال: فثمنها عندي نواتان مسوستان، فضحكوا، قال: كيف ثمنها عندك هذا؟ قال: لكثرة عيوبها، قال: وما عيوبها؟ قال: إن لم تتعطر زفرت، وإن تستك (نجرت) (١)، وإن لم تمتشط وتدهن قملت وتشعَّثت، وإن تعمد عن قليل هرمت، ذات حيض وبول وأقذار، وحزن وغم وأكدار، ولعلها لا تودك إلا نفسها، ولا تحبك إلا لنعيمهما، لا تفي بعهدك، ولا تصدق في وعدك، ولا تخلف عليها أحد بعدك إلا رأته مثلك، وأنا آخذ بدون ما سألتك في جاريتك من الثمن جارية خلقت من الكافور، ومن المسك والجوهر والنور، لو مزج بريقها أجاج لطاب، ولو دعي بكلامها ميت لأجاب، ولو بدا معصمها للشمس لأظلمت دونه وكسفت (٢) ولو بدا في الظلماء لأنارت به وأشرقت، ولو واجهت الآفاق بحليها وحللها لتعطرت بها وتزخرفت، نشأت بين رياض المسك والزعفران، وقضبان الياقوت والمرجان، وقصرت في خيام النعيم (٣) وغُذيت بماء التسنيم، لا يخلف وعدها، ولا يبدل وُدُّها، فأيهما أحق بدفع الثمن؟ قال: التي وصفتَ، قال: فإنها الموجودة الثمن، القريبة الخطب في كل زمن، قال: فما ثمنها - رحمك اللَّه؟

قال: اليسير المبذول، الخطير المأمول، أن تتفرغ ساعة في ليلك، تصلي ركعتين تُخلصهما لربك، وأن يوضع طعامك، فتذكر جائعك فتؤثر اللَّه ﷿ على شهوتك، وأن ترفع حجرًا أو قذرًا عن الطريق (٤)، وأن تقطع أيامك بالبلغة والقلة،


(١) كذا بالأصل.
(٢) روى البخاري في صحيحه [٢٧٩٦] كتاب الجهاد والسير، [٦] باب الحور العين وصفتهن، عن أنس بن مالك مرفوعًا وفيه: "ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحًا، ولنصيفها -يعني خمارها- على رأسها خير من الدنيا وما فيها".
(٣) في قوله تعالى: ﴿حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (٧٢)﴾ [الرحمن: ٧٢]، وقال هناك: ﴿فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾ [الرحمن: ٥٦] ولا شك أن التي قد قصرت طرفها بنفسها أفضل ممن قُصرت وإن كان الجميع مخدرات، وقوله: ﴿فِي الْخِيَامِ﴾ [الرحمن: ٧٢]، فروى البخاري ومسلم من حديث عبد اللَّه بن قيس أن رسول اللَّه قال: "إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة طولها عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمنون" تفسير ابن كثير [٤/ ٢٨٠].
(٤) روى مسلم في صحيحه [٥٨ - (٣٥)] كتاب الإيمان، [١٢] باب بيان عدد شعب الإيمان =

<<  <  ج: ص:  >  >>