للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وترفع همك عن دار الغرور والغفلة، فتعيش في الدنيا بعز القناعة، وتأتي إلى موقف الكرامة آمنًا غدًا، وتنزل في الجنة دار النعيم في جوار المولى الكريم مخلدًا (١) فقال الرجل: يا جارية، أسمعت ما قال شيخنا هذا؟ قال: نعم، قال: أفصدق أم كذب؟ قالت: بل صدق وبرّ ونصح، قال: فأنت إذن حرة للَّه -تعالى- وضيعة كذا وكذا صدقة عليك، وأنتم أيها الخدام أحرار، وضيعة كذا وكذا وهذه الدار بما فيها صدقة مع جميع مالي في سبيل اللَّه، ثم مدَّ يده إلى ستر خيش كان على بعض أبوابه فاجتذبه، وخلع جميع ما كان عليه، واستتر بالستر، فقال الجارية: لا عيش لي بعدك يا مولاي، فرمت بكسوتها، ولبست ثوبًا خشنًا، وخرجت معه، فودعهما مالك بن دينار ودعا لهما، وأخذا طريقًا غيره، فتعبدا جميعًا حتى جاء الموت، فنقلهما على حال العبادة - رحمة اللَّه عليهما.

الثالثة بعد الثلاثين: عن بعض أهل العلم قال: كانت تختلف إليّ في بعض الأحيان جارية لها وضاءة، وعليها خفارة (٢) فتسألني عن شرائع الإسىلام وأمور الدين، وأجيبها وألطف بها، وكان حالها يميل إلى السر والكتمان (٣)، وكان يعجبني


= وأفضلها وأدناها، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه : "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا اللَّه، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" قال النووي: قوله : "وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" أي تنحيته وإبعاده، والمراد بالأذى كل ما يؤذي من حجر أو مدر أو شوك أو غيره. انظر شرح مسلم [٢/ ٦] طبعة دار الكتب العلمية.
(١) في حديث مسلم [٤٠ - (٢٨٤٩)] كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، عن أبي سعيد مرفوعًا: "يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح. . . . الحديث" إلى أن قال: "فيؤمر به فيذبح" قال: "ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت. . . . الحديث"، قال النووي: قال المازري: الموت عند أهل السنة عرض يضاد الحياة، وقال بعض المعتزلة: ليس بعرض بل معناه عدم الحياة، وهذا خطأ لقوله تعالى: "خلق الموت والحياة" فأثبت الموت مخلوقًا، وعلى المذهبين ليس الموت بجسم في صورة كبش أو غيره، فيتأول الحديث على أن اللَّه يخلق هذا الجسم، ثم يذبح مثالًا لأن الموت لا يطرأ على أهل الآخرة. النووي في شرح مسلم [١٧/ ١٥٣] طبعة دار الكتب العلمية.
(٢) خفرت المرأة خفرًا: اشتد حياؤها، فهي خفرة.
(٣) فيما روى من حديث: "سبعة يظلهم اللَّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله" وفيه "ورجل ذكر اللَّه -تعالى- خاليًا ففاضت عيناه" وفيه فضيلة البكاء من خشية اللَّه -تعالى- وفضل طاعة السر لكمال الإخلاص فيها، انظر الحديث في مسلم [٩١ - (١٠٣١)] كتاب الزكاة، [٣٠] باب فضل إخفاء الصدقة، عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>