للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهان لا يصغي لعذل عوازل … ظمآن من ماء التواصل صادي

ما هبت لي منكم نسيم مخبر … بالوصل فيه منايح الإسعادي

ألا سعيت مبادرًا للقاكم … ومنعت عيني من لذيذ رقاذي

وإذا نطقت بذكر غزلان النقا (١) … أو زينب أو (علوة) (٢) وسعادي

فلأنتم قصدي وغاية مطلبي … ولأنتم دون الجميع مرادي

لا شيء يشبهكم تعالى ذكركم … عن قول ذي زيغ وذي إلحاد (٣)

قال: فقلت لها: لو أسمعتك تمام الآيات؟ فقالت: إن كنت تحسنها فاقرأ عليّ، فقرأت عليها حتى انتهيت إلى قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨)(٤).

فقالت: أحسنت، حسبك ما ضمنه الإله المعبود، ثم قلت لسيدها: هل لك أن تقبض ثمنها مني؟ قال: إن ثمنها جزيل،. ولي ابن عم قد تعلق بها وقصدني فيها يريد أن يرجعها عن ما هي عليه من الخاطر الذي قد اعتراها، وهو مجوسي من الملة، قال: فبينما هو يخاطبني، إذ أقبل ابن عمه، فقال: أنا أردّها عما هي عليه، فدفعها إليه، فلمّا علمت بذلك قالت لي: يا شيخ، ألا تسمع كلامه ليكونن لي وله شأن عظيم يطلعك الملك عليه، فلمّا كان بعد مدة، رأيت سيدها المجوسي ذهب بها يصلي معنا في المسجد، فقلت له: ألست سيد الجارية؟ قال: بلى، قلت: كيف كان الخبر؟ قال: خبر خير، مضيت بها إلى منزلي، وخرجت لحاجتي، فلما رجعت وجدتها قد نصبت كرسيًا وجلست عليه، وجعلت تذكر اللَّه وتوحده، وتُحذّر أهلي


(١) النّقا: الكثيب من الرمال، ونقي الشيء نقاوة ونقاء: نظف، فهو نقي وهي نقية.
(٢) كذا بالأصل.
(٣) ألحد فلان: عدل عن الحق وأدخل فيه ما ليس منه، وفي الدين: طعن، وفي القرآن الكريم ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ [فصلت: ٤٠].
(٤) سورة الذاريات [٥٦ - ٥٨].
أي إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي لا لاحتياجي إليهم، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إلا ليعبدون أي إلا ليقروا بعبادتي طوعًا أو كرهًا، وهذا اختيار ابن جرير، وقال ابن جريج: إلا ليعرفون، وقال الربيع بن أنس: ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] أي إلا للعبادة، وأنه خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم. تفسير ابن كثير [٤/ ٢٣٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>