للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتنهاهم عن عبادة النار، وتصف لهم الجنة، فخشيت أن تفسد علينا ديننا، فقلت: أخذت هذه الجارية طمعا أن نفسد عليها دينها فإذا هي تفسد علينا ديننا، فقصصت قصتها على صاحب لي وقلت له: ما تشير عليّ أن أفعل؟ قال: أودعها مالًا وخذه من ورائها، واطلبه منها لتثبت عليها الحجة، ثم اضربها، قال: فأودعتها كيسا فيه خمسمائة دينار، فاشتغلت على عادتها في عبادتها، فأخذت الكيس وهي لا تشعر، فطلبته منها، فوثبت إلى الموضع الذي وضعته فيه، فإذا بالكيس في موضعه، فناولتني إياه، فعجبت من ذلك، وقلت في نفسي: أنا أخذت الكيس، وهذا آخر ولا شك بعد العيان، هذا يدل على قدرة إلهها الذي تعبده، فآمنت بإلهها وأسلمت أنا وصاحبي وأهلي كلهم، وأطلقت سبيلها بهما اختارت -رحمها اللَّه تعالى- ما زالت تكتم الغرام حتى أظهر اللَّه حالها للأنام كما أنشد لسان حالها:

كتمت الوشاة (١) غرامي بكم … وحبكم في حشا أضلعي

وموهت (٢) عنكم بوادي التقى … وسكان رامة والأجرع

ولولاكم ما ذكرت اللوى … ولا حن قلبي إلى لعلعي (٣)

الرابعة بعد الثلاثين: عن سبري السقطي (٤) -رحمه اللَّه تعالى- قال: سهرت ليلة من الليالي، وقلقت قلقًا شديدًا، فلم أطق الغمض، مع ما حرمته من التهجد، فلما صليت الصبح خرجت، لا يقَرّ بي قرار، فوقعت في الجامع أسمع بعض القصص لعلي أجد لقلبي راحة، فوجدت قلبي لا يزداد إلا قساوة، فمضيت، ووقفت ببعض الوعاظ، فوجدت قلبي لا يزداد إلا قساوة، فقلت: أمضي إلى بعض أطباء القلوب، ومن يدل المحبب على المحبوب؟ فمضيت، فوجدت قلبي لا يزداد إلا


(١) وشى به إلى السلطان: نمَّ به وسعى، فهو واش، وجمعها: وُشَاة.
(٢) موه الشيء: أي طلاه بفضة أو ذهب إذا لم يكن جوهره منهما، وموه الحق: لبسه بالباطل، ويقال موه الحديث زخرفه ومزجه من الحق والباطل، وموه عليه الخبر: أخبره بخلاف ما سأله عنه.
(٣) اللعلعة: بصيص، والسراب: تلألأ، وتلعلع من الجوع والعطش: تضور.
(٤) السري بن المغلس أبو الحسن السقطي البغدادي الزاهد، علم الأولياء في زمانه، صحب معروفًا الكرخي، وحدث عن الفضيل بن عياض وهشيم وأبي بكر بن عياش وعلي بن غراب ويزيد بن هارون. وعنه: أبو العباس بن مسروق والجنيد وغيرهم، قال السلمي: السري أول من أظهر ببغداد لسان التوحيد، وتكلم في علوم الحقائق، وهو إمام البغداديين في الإشارات، وقال الجنيد له في مرض موته: أوصني، قال: لا تصحب الأشرار ولا تشغلن عن اللَّه بمجالسة الأخيار، وقال عنه أيضًا: ما رأيت أعبد للَّه من السري؛ أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رُئي مضطجعًا إلا في علة الموت، توفي سنة [٢٥٧]، وقيل [٥٣]، وقيل [٢٥١]. تاريخ الإسلام، وفيات [٢٥١ - ٢٦٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>