ألبستني ثوب وصل طاب ملبسه … فأنت مولى الورى حقًا ومولاي
كانت لقلبي أهواء مفرقة … فاستجمعت مُذْ رأتك العين مولاي
من غصَّ (١) داوى بشرب الماء غُصَّتَهُ … فكيف يصنع من قد غص بالماء
قلبي حزين على ما فات من زللي … والنفس في جسدي من أعظم الداء
والشوق في خاطري مني وفي كبدي … والحب مني مصون في سويدائي
إليك مني قصدت الباب معتذرًا … فأنت تعلم ما ضمته أحشائي
فقلت لها: يا جارية، قالت: لبيك يا سري، قلت: من أين عرفتيني؟ قالت: ما جهلتك مذ عرفت، ولا فترت مذ خدمت ولا انقطعت مذ وصلت، وأهل الدرجات يعرف بعضهم بعضًا، قلت: أسمعك تذكرين المحبة، فمن تحبين؟ قالت: لمن تعرَّف إلينا بنعمائه، وجاد علينا بجزيل عطائه، فهو قريب إلى القلوب، محب لطلب المحبوب، سميع عليم بديع حكيم، جواد كريم، غقور رحيم، فقلت لها: من حبسك ههنا؟ قالت: يا سيدي حاسدون تعاونوا وتعاقدوا وتراسلوا، ثم شهقت حتى ظننت أنها فارقت الحياة، ثم أفاقت وأنشأت تقول:
قلبي أراه أني إلى الأحباب مرتاحا … سكران في حب من هو بالهوى باحا
يا عين جودي بدمع خوف هجرهم … فربَّ دمع أتى للخير مفتاحًا
ورب عين رآها اللَّه باكية … بالخوف منه تنال الروح والراحا
للَّه عبد جنى ذنبًا فأحزنه … فبات يبكي بدر الدمع سفاحا
مستوحش (٢) خائف مستيقن فطن … كأن في قلبه للنور مصباحًا
قال السري: فقلت لقيِّم (٣) المارستان: أطلقها، ففعل، فقلت: اذهبي حيث شئت، قالت: يا سيدي إلى أين أذهب؟ ومالي عنه مذهب، إن حبيب قلبي قد ملَّكني لبعض مماليكه، فإن رضي مالكي ذهبت، وإلا صبرت واحتسبت، فقلت: واللَّه هذه أعقل مني، فبينما هي تخاطبني إذ دخل مولاها فقال للقيم: أين تُحفة؟ فقال: هي داخل المارستان (٤)، وعندها السري السقطي، قال: ففرح ودخل وسلَّم عليَّ،
(١) غصَّ: بالماء غصًّا وغصصًا: وقف الماء في حلقه فلم يكد يبتلعه، فهو غاصٌّ وغصَّان، والغُصَّة: ما اعترض في الحلق من طعام أو شراب، جمعها غُصُص.
(٢) استوحش: فلان وجد الوحشة، ومنه لم يأنس به.
(٣) القيِّم: من يقوم بالأمر ويسوسه ومن يتولى أمر المحجور عليه، وكتاب قيِّم: ذو قيمة.
(٤) المارستان: المصحة أو المستشفى.