للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكلمته وقلت له: يا راهب، فكشف سترًا على باب صومعته فقلت له: ما علم اليقين؟ فقال: يا عبد الواحد إن أحببت أن تعلم علم اليقين، فاجعل بينك وبين شهوات الدنيا حائطًا من حديد ثم أرخى الستر.

الثانية: قال أحمد بن الفتح: رأيت بشر بن الحارث في منامي وهو قاعد في بستان وبين يديه مائدة يأكل منها، فقلت له: يا أبا نصر ما فعل اللَّه بك؟ قال: رحمني وغفر لي وأباحني الجنة بأسرها، وقال لي: كل من جميع ثمارها، واشرب من أنهارها وتمتع بجميع ما فيها كما كنت تمنع نفسك الشهوات في الدنيا.

الثالثة: حكي أنه لما حضرت أبا موسى الوفاة قال: يا بَنِيّ اذكروا صاحب الرغيف، قالوا: وما صاحب الرغيف؟ قال: كان رجل يتعبد في صومعة أراه سبعين سنة لا ينزل إلا في يوم واحد، قال: فتنه (أوشب) (١) الشيطان في عينيه بامرأة، قال: فكان معها سبعة أيام أو سبع ليال، قال: ثم كشف عن الرجل غطاؤه فخرج تائبًا (٢) فكان كلما خطا خطوة صلى وسجد، فأواه الليل إلى مكان عليه اثنا عشر مسكينًا، فأدركه الإعياء، فرمى بنفسه بين رجلين منهم.

وكان ثمَّ راهب يبعث إليهيم كل ليلة بأرغفة مع رجل فيعطي كل إنسان رغيفًا، ومر على ذلك الرجل الذي خرج تائبًا ظن أنه مسكين، فأعطاه رغيفًا، فقال المتروك لصاحب الأرغفة: ما لك لم تعطني رغيفي؟ قال: تراني أمسكته عنك، هل أعطيت أحدًا منكم رغيفين؟ قالوا: لا، قال: تراني أمسكته عنك، واللَّه لا أعطيك الليلة شيئًا، فعمد التائب إلى الرغيف الذي دفعه إليه، فدفعه إلى الرجل الذي تُرِكَ، فأصبح التائب ميتًا، فوزنت السبعون سنة بالسبع ليالي، فرجحت الليالي، فوزن الرغيف بالسبع ليالي فرجح الرغيف، فقال أبو موسى: يا بَنِيَّ اذكروا صاحب الرغيف.

فائدة: قال سعيد بن المسيب (٣) - رحمه اللَّه تعالى: ما أكرمت العباد أنفسها


(١) كذا بالأصل.
(٢) قال تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧)﴾ [النساء: ١٧] وقال تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ١٠٤]، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾ [الشورى: ٢٥].
(٣) سعيد بن المسيب بن حزن بن أبى وهب بن عمرو بن عائذ، أبو محمد القرشي المخزومي العائذي المدني الأعور، قال ابن حجر في التقريب: اتفقوا على أن مراسليه أصح المراسيل، وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علمًا منه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وتوفي سنة [٩٤، ٩٣، ١٠٠]. ترجمته: تهذيب التهذيب [٤/ ٨٤]، تقريب التهذيب [١/ ٣٠٥، =

<<  <  ج: ص:  >  >>