للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحبك حبين؛ حب الهوى … وحب لأنك أهل لذاكا

فأما الذي هو حب الهوى … فذكرٌ شغلت به عن سواكا

وأما الذي أنت أهل له … فكشفك لي الحجب حتى أراكا

ولا حمد في ذا ولا ذاك لي … ولكن لك الحمد في ذا وذاكا

العاشرة: عن ذي النون أيضًا قال: كنت في الطواف فسمعت صوتًا حزينًا، وإذا جارية متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول:

أنت تدري يا حبيبي … من حبيبي أنت تدري

ونحول الجسم والدمع … يبوحان بسرّي

قد كتمت الحب حتى … في الهوى قد ضاق صدري

قال ذو النون: فشجاني ما سمعت منها حتى انتحبت وبكيت، ثم قالت: سيدي ومولاي، بحبك لي إلا ما غفرت لي، قال: فتعاظمني ذلك وقلت: يا جارية أما يكفيك أن تقولي بحبي لك، حتى تقولي بحبك لي؟ فقالت: إليك عني يا ذا النون، أما علمت أن للَّه عبادًا أحبهم قبل أن يحبوه؟ أما سمعت اللَّه يقول: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ (١) فسبقت محبته لهم قبل محبتهم له، فقلت: من أين علمتِ أني ذا النون؟!! فقالت: يا بطّال جالت القلوب في ميدان الأسرار فعرفتك، ثم قالت: انظر من خلفك، فأدرت وجهي فلا أدري؛ السماء اقتلعتها أم الأرض ابتلعتها!!

الحادية عشرة: عن سري السقطي (٢) قال: اشتريت جارية للخدمة، فكانت تخدمني دهرًا طويلًا، وتكتم أمرها ولها محراب تصلي فيه.

فلما كانت في بعض الليالي وجدتها تصلي تارة، وتناجي أخرى، فسمعتهما


= ومائة، ولها ترجمة بتاريخ الإسلام للذهبي، انظر وفيات [١٧١ - ١٨٠] وستأتي ترجمتها قريبًا.
(١) سورة المائدة [٥٤].
يقول تعالى مخبرًا عن قدرته وعظمته أن من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته فإن اللَّه يستبدل به من هو خير لها منه وأشد منعة وأقوم سبيلًا، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٨]، وقال تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (٢٠)﴾ [إبراهيم: ١٩، ٢٠]. "تفسير ابن كثير [٢/ ٧١] ".
(٢) السري بن المغلس أبو الحسن السقطي البغدادي الزاهد، علم الأولياء في زمانه، صحب معروفًا الكرخي، وحدث عن الفضيل بن عياض وهشيم وأبي بكر بن عياش وعلي بن غراب ويزيد بن هارون، وعنه أبو العباس بن مسروق والجنيد وأبو الحسن النوري وإبراهيم بن عبد اللَّه المخرمي، وهو إمام البغداديين في الإشارات، توفي سنة [٢٥٣]. "تاريخ الإسلام للذهبي، وفيات [٢٥١ - ٢٦٠] ".

<<  <  ج: ص:  >  >>