للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كريم، (ومجناها) لذيذ، ثم ولت وأنشأت تقول:

وذي قلق لا يعرف الصبر والصبرا … له مقلة غبراء أضر بها البكا

وجسم نحيل من شجى لاعج الهوى … بماذا يداوى المستهان من الضنى

ولاسيما والحب صعب مرامه … إذا عطفت منه العواطف بالفتى

الثالثة عشرة: عن محمد بن الحسين البغدادي قال: حججت مرة، فبينا أنا أدور في شوارع مكة، وإذا أنا بشيخ قابض على يد جارية مُتغِّير لونها، نحل جسمها، وعلى وجهها نور ساطع وضياء لامع، وهو ينادي: هل من طالب؟ هل من راغب؟ هل من زايد على عشرين دينارًا؟ وأنا بريء من كل عيب، قال: فدنوت منه، قلت: وما هو؟ قال: اعلم أنها جارية مهمومة؛ قائمة ليلها صائمة نهارها، لا تأكل طعامًا ولا تشرب (مُدَامًا) قد ألفت الانفراد والوحدة في كل أرض وبلدة، فلما سمعت كلامه أحببتها فاشتريتها ورحت بها إلى منزلي فرأيتها مطرقة إلى الأرض، ثم رفعت رأسها إليَّ وقالت: يا مولاي الصغير من أين أنت يرحمك اللَّه؟ قلت: من العراق، قالت: من البصرة أو من الكوفة؟ فقلت: ولا من واحدة منهن، فقالت: لعلك من مدينة السلام ببغداد؟ قلت: نعم، قالت: بخ بخ؛ مدينة الزهاد والعبَّاد، قال: فعجبت وقلت: يا جارية من حجرة إلى حجرة، ينادى عليها من أين لها معرفة بالزهاد والعبَّاد، ثم أقبلت عليها شبه الملاعب لها، وقلت لها: من تعرفي منهم؟ قالت: أعرف مالك بن دينار، وبشر الحافي (١)، وصالح المزي، وأبا حاتم السجستاني، ومعروفًا الكرخي (٢)، ومحمد بن الحسين البغدادي، ورابعة العدوية (٣)، وشعوانة،


(١) بشر الحافي بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء أبو نصر المروزي البغدادي الزاهد الكبير، كان عديم النظر زهدًا وورعًا وصلاحًا، كثير الحديث إلا أنه كان يكره الرواية ويخاف من شهوة النفس في ذلك حتى إنه دفن كتبه. ومن قوله: أمس قد مات واليوم في نزاع وغدًا لم يولد بعد، وعنه قال: لا يفلح من ألف أفخاذ النساء، وعنه قال: إذا أعجبك الكلام فاصمت، وإذا أعجبك الصمت فتكلم، وقيل لأحمد بن حنبل: مات بشر فقال: مات وما له نظير في هذه الأمة إلا عامر بن قيس، فإن عامرًا مات ولم يترك شيئًا، وتوفي سنة [٢٢٧]. "انظر تاريخ الإسلام، وفيات [٢٢١ - ٢٣٠] ".
(٢) معروف الكرخي زاهد العراق وشيخ الوقت، كان أبوه من أعمال واسط من الصابئة، وقال أبو علي الدقاق قال: كان أبواه نصرانيين فأسلماه إلى مؤدب نصراني، فكان يقول له: قل ثالث ثلاثة، فيقول معروف: بل هو الواحد، فيضربه، فهرب، فكان أبواه يقولان: ليته رجع، ثم أسلم أبواه، وذكر السلمي أن معروفًا صحب داود الطائي ولم يصح، ومن أقواله: من كابر اللَّه صرعه، ومن نازعه قمعه، ومن ماكره خدعه، ومن توكل عليه منعه، ومن تواضع له رفعه، وتوفي سنة [٢٠٠]. "انظر تاريخ الإسلام للذهبي، وفيات [١٩١ - ٢٠٠] ".
(٣) رابعة العدوية العابدة البصرية المشهورة بالتأله والزهد، وهي رابعة بنت إسماعيل، كنيتها أم =

<<  <  ج: ص:  >  >>