للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وميمونة، فأقبلت عليها وقلت لها: من أين لك معرفة هؤلاء؟ قالت: يا فتى كيف لا أعرفهم وهم واللَّه أطباء القلوب ومنّ المحب على المحبوب. فقلت لها: يا جارية أنا محمد بن الحسين، فقالت: لقد سألت اللَّه أن يجمع بيني وبينك يا أبا عبد اللَّه، ما فعل حسن صوتك الذي يحيى به قلوب المريدين وتبكي به عيون السامعين؟ فقلت: باق على حاله، قالت: فباللَّه عليك أسمعني شيئًا من القرآن، فقرأت "بسم اللَّه الرحمن الرحيم" فصرخت صرخة عظيمة، وغشي عليها.

فرششت على وجهها الماء فأفاقت فقالت: يا أبا عبد اللَّه، هذا اسمه فكيف لو عرفته حق معرفته، وفي الجنان رأيته؟ اقرأ يرحمك اللَّه، فقرأت: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ﴾ (١) الآية قالت: يا أبا عبد اللَّه، ما عبدنا وثنًا ولا قبلنا صنمًا، اقرأ رحمك اللَّه، فقرأت: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ [الكهف: ٢٩] الآية، فقالت: يا أبا عبد اللَّه، لقد ألزمت نفسك القنوط، روح قلبي بين الرجاء والخوف، اقرأ، فقرأت: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)(٢) قالت: واشوقاه إلى لقائه؛


= عمرو، وولاؤها للعتكيين، وقد أفرد ابن الجوزي أخبارها في الشاميات، ورابعة العابدة معاصرة لها، فربما تداخلت أخبارهما، ومن أخبارها أن ناسًا استأذنوا على رابعة ومعهم سفيان الثوري، فتذاكروا عندها ساعة وذكروا شيئًا من أمر الدنيا، فلما قاموا قالت لامرأة تخدمها: إذا جاء هذا الشيخ وأصحابه فلا تأذني لهم؛ فإني رأيتهم يحبون الدنيا، وقال أبو سعيد بن الأعرابي: أما رابعة فقد حمل الناس عنها حكمًا كثيرة، وحكى عنها سفيان وشعبة وغيرهما، توفيت -رحمها اللَّه-[١٨٠]. تاريخ الإسلام للذهبي، وفيات [١٧١ - ١٨٠].
(١) سورة الجاثية [٢١].
يقول تعالى: لا يستوي المؤمنون والكافرون كما قال ﷿: ﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠)﴾ الحشر: ٢٠]، وقال ههنا: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ﴾ [الجاثية: ٢١] أي عملوها وكسبوها ﴿أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ﴾ [الجاثية: ٢١] أي نساويهم بها في الدنيا والآخرة ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٦] أي ساء ما ظنوا با وبعد لنا أن نساوي بين الأبرار والفجار في الدار الآخرة وفي هذه الدار. "تفسير ابن كثير [٤/ ١٥٠] ".
(٢) سورة القيامة [٢٢ - ٢٣].
وقال النووي: اعلم أن مذهب أهل السنة بأجمعهم أن رؤية اللَّه -تعالى- ممكنة غير مستحيلة عقلًا، وأجمعوا أيضًا على أن وقوعها في الآخرة، وأن المؤمنين يرون اللَّه -تعالى- دون الكافرين، وزعمت طائفة من أهل البدع: المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أن اللَّه -تعالى- لا يراه أحد من خلقه، وأن رؤيته مستحيلة عقلًا، وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح، وقد تظاهرت أدلة الكتاب واجماع الصحابة فمن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية اللَّه -تعالى- في الآخرة للمؤمنين. "النووي في شرح مسلم [٣/ ١٥] طبعة دار الكتب العلمية".

<<  <  ج: ص:  >  >>