للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوم يتجلى لأوليائه، اقرأ، فقرأت: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧)(١) الآيات، قالت: يا أبا عبد اللَّه أراك قد خطبت الحور العين، فهل بذلت من مهورهن شيئًا؟ قلت: يا جارية، دليني فإني مفلس، فقالت: عليك بقيام الليل وصيام النهار، وحب الفقراء والمساكين، ثم أنشأت تقول:

يا خاطب الحوراء في خدرها … وطالب ذاك على قدرها

انهض بجد لا تكن وانيًا (٢) … وجاهد النفس على صبرها

وقم إذا الليل بدا شطره … وصم نهارًا فهو من مهرها

فلو رأت عيناك إقبالها … وقد بدت رمانتا صدرها

وهي تمشي بين أربابها … وعقدها يشرف في نحرها

لهان في عينيك هذا الذي … تراه في دنياك من زهرها

قال: ثم غشي عليها، فرششت على وجهها الماء، فأفاقت، ثم أنشأت تقول:

إلهي لا تعذبني فإني … مقرٌّ بالذي قد كان مني

فكم من زلة لي في الخطايا … عفوت وأنت ذو فضل ومَنِّي

يظن الناس بي خيرًا وإني … لشرُّ الناس إن لم تعف عني

وما لي حيلة إلا رجائي … لعفوك إن عفوت وحسن ظني

قال: ثم غُشي عليها، فدنوت منها، فإذا هي قد ماتت -رحمة اللَّه عليها- فاغتممت لذلك غمًا شديدًا، وخرجت إلى السوق لآخذ في جهازها، فلما رجعت إذا هي قد كُفنت وحُنطت وعليها خضراوتان من حلل الجنة، مكتوب على الكفن سطران: الأول: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، والسطر الثاني: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)(٣).


(١) سورة الواقعة [١٧].
(٢) الواني: الضعيف البدن، وني في الأمر: فتر وضعف وكلَّ وأعيا.
(٣) سورة يونس [٦٢].
قال الشوكاني: قال الإمام تقي الدين بن تيمية : أولياء اللَّه على طبقتين: سابقون مقربون، وأبرار أصحاب يمين مقتصدون، ذكرهم اللَّه - سبحانه في عدة مواضع من كتابه في أول الواقعة وآخرها، وسورة الإنسان، والمطففين، وسورة فاطر إلى آخر كلامه. وقال الشوكاني: وليس لمنكر أن ينكر على أولياء اللَّه ما يقع منهم من المكاشفات الصادقة الموافقة للواقع، وهذا باب قد فتحه رسول اللَّه كما ثبت في الصحيحين عنه قال: "قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد منهم فعمر منهم" والمحدث: الصادق الظن المصيب الفراسة. "انظر قطر الولي على =

<<  <  ج: ص:  >  >>