للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالصديق وفَّى موعوده، فإنها تُعادل الدين بالنسبة إلى مقامه الغالي.

رابعها: حديث حذيفة قال: "حدثنا رسول اللَّه حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا: "أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال (١)، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة" ثم حدثنا عن رفع الأمانة قال: "ينام الرجل النومة فتُقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط، تراه منتبرًا، وليس فيه شيء (٢) -ثم أخذ حصى فدحرجه على رجليه- فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال: إن في بني فلان رجلًا أمينًا، حتى يقال للرجل، ما أجلده، ما أظرفه، ما أعقله، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان".

ولقد أتى عليَّ زمان وما أبالي أيَّكُمْ بايعت، لئن كان مسلما ليَرُدَّنَّهُ عليَّ دينه، ولئن كان نصرانيًا أو يهوديًا ليرُدَّنَّهُ علي ساعيه، وأما اليوم فما كنت لأبايع (٣) منكم إلا فلانًا وفلانا" (٤) متفق عليه.


= مستحب لا واجب وأوجبه الحسن وبعض المالكية. "النووي في شرح مسلم [١٥/ ٦٠] طبعة دار الكتب العلمية".
(١) الجذر بفتح الجيم وكسرها لغتان، وبالذال المعجمة فيهما وهو الأصل، قال القاضي عياض : مذهب الأصمعي في هذا الحديث فتح الجيم، وأبو عمرو يكسرها، وأما الأمانة فالظاهر أن المراد بها التكليف الذي كلف اللَّه -تعالى- به عباده، والعهد الذي أخذه عليهم، قال الإمام أبو الحسن الواحدي في قول اللَّه - تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ﴾ [الأحزاب: ٧٢] قال ابن عباس : هي الفرائض التي افترضها اللَّه -تعالى- على العباد، وقال الحسن: هو الدين، والدين كله أمانة، وقال أبو العالية: الأمانة ما أمروا به وما نهوا عنه، وقال مقاتل: الأمانة الطاعة. "النووي في شرح مسلم [٢/ ١٤٣] طبعة دار الكتب العلمية".
(٢) قوله: "كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرًا وليس فيه شيء" فالجمر والدحرجة معروفان، ونفط بفتح النون وكسر الفاء، ويقال: تنفط بمعناه، ومنتبرًا: مرتفعًا، وأصل هذه اللفظة الارتفاع، ومنه المنبر لارتفاعه لارتفاع الخطيب عليه، وقوله: "ثم أخذ حصى فدحرجه"، ووقع في أكثر الأصول "ثم أخذ حصاة فدحرجه" بإفراد لفظ الحصاة، وهو صحيح أيضًا، ويكون معناه دحرج ذلك المأخوذ أو الشيء وهو الحصاة، واللَّه أعلم. "النووي في شرح مسلم [٢/ ١٤٥] طبعة دار الكتب العلمية".
(٣) قال القاضي عياض وصاحب التحرير: وحمل بعض العلماء المبايعة هنا على بيعة الخلافة وغيرها من المعاقدة والتحالف في أمر الدين، قالا: وهذا خطأ من قائله، وفي الحديث مواضع تبطل قوله؛ منها قوله: "ولئن كان نصرانيًا أو يهوديًا" ومعلوم أن النصراني واليهودي لا يعاقد على شيء من أمور الدين، واللَّه أعلم. "المرجع السابق [٢/ ١٤٥] ".
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه [٦٤٩٧] كتاب الرقاق، [٣٥] باب رفع الأمانة، ومسلم في صحيحه =

<<  <  ج: ص:  >  >>