للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

برهان، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في اللَّه لومة لائم" (١).

المَنْشَط والمَكْرَه بفتح ميميهما: أي السهل والصعب. والأثرة: الاختصاص بالمشترك، وبَوَاحًا: ظاهرًا لا يحتمل تأويلًا، فشرط الإنكار كون المنكر كُفرًا بواحًا (٢) أن يكون فيه برهان من اللَّه، أي دليل جلي لا يقبل الاجتهاد، وأن رعاية القلوب ليست عذرًا.

فالمؤمن لا يخاف في اللَّه لومة لائم، بل يقول الحق ولو كره المشركون.

وروينا في صحيح البخاري (٣) من حديث النعمان بن بشير مرفوعًا: "مثل القائم في حدود اللَّه -تعالى- والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فكان الذين في إسفلها إذا استقوا من الماء مرُّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا" (٤).

معنى القائم في حدود اللَّه: المنكر لها في دفعها وإزالتها، والمراد بالحدود ما


(١) أخرجه مسلم في صحيحه [٤١ - (١٧٠٩)] كتاب الإمارة، [٨] باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية، وقال النووي: المراد بالمبايعة المعاهدة، وهي مأخوذة من البيع لأن كل واحد من المتبايعين كان يمد يده إلى صاحبه، وكذا هذه البيعة تكون بأخذ الكف، وقيل: سميت مبايعة لما فيها من المعاوضة لما وعدهم اللَّه -تعالى- من عظيم الجزاء، قال اللَّه - تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ [التوبة: ١١١] الآية.
(٢) بواحًا بالواو، وفي بعض النسخ براحًا والباء مفتوحة فيهما، ومعناهما كفرًا ظاهرًا، والمراد بالكفر هنا المعاصي، ومحنى عندكم من اللَّه فيه برهان: أي تعلمونه من دين اللَّه -تعالى- ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرًا محققًا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيث ما كنتم، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين، قال العلماء: وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه، قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل. "شرح مسلم للنووي [١٢/ ١٨٩] طبعة دار الكتب العلمية".
(٣) رواه البخاري في صحيحه [٢٤٩٣] كتاب الشركة، [٦] باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه؟، ورقم [٢٦٨٦] كتاب الشهادات، [٣٠] باب القرعة في المشكلات.
(٤) أخرجه البخاري وقد تقدم، وأحمد في مسنده [٤/ ٢٦٩]، والبيهقي في السنن الكبرى [١٠/ ٢٨٨]، والمنذري في الترغيب والترهيب [٣/ ٢٢٥]، والقرطبي في تفسيره [١٦/ ٨٦]، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة [٦٩].

<<  <  ج: ص:  >  >>