للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نهى اللَّه عنه، واستهموا: اقترعوا، فالأخذ على يد العاصي أهم مهم؛ لأنه كمنع خارق السفينة من خرقها المهلك لجميع من فيها عن عال أو سافل.

وروينا في صحيح مسلم من حديث أم سلمة مرفوعًا: "يستعمل عليكم أمراء فتعرفون منهم وتنكرون، فمن كره فقد برئ (١)، ومن أنكر فقد سلم" ولكن من رضي وتابع، قالوا: يا رسول اللَّه ألا نقاتلهم؟ قال: "لا، ما صلوا" (٢) وفي رواية: قال: "لا، ما أقاموا فيكم الصلاة (٣) ".

ومعناه من كره بقلبه، ولم يستطع إنكارًا بيده ولا لسانه فقد برئ من الإثم وأدى وظيفته، ومن أنكر بحسب طاقته فقد سلم من هذه المعصية، ومن رضى بفعلهم وتابعهم عليه فهو عاص، فالعجز مع الأمراء ونحوهم عذر سقط غير إنكار القلب، وأن العجز عبارة عن توقف التغير عليه مقابلة ونحوها لم يأذن فيها أرباب الشوكة المطاعة.

وروينا في الصحيحين (٤) من حديث زينب بنت جحش أم المؤمنين: أن رسول اللَّه دخل عليها فزعًا يقول: "لا إله إلا اللَّه، ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب؛ فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه" وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت: فقلت: يا رسول اللَّه، أنهلك وفينا الصالحون؟ (٥) قال: "نعم، إذا كثر الخبث".


(١) من كره فقد برئ، فظاهره ومعناه من كلره ذلك المنكر فقد برئ من إثمه وعقوبته، وهذا في حق من لا يستطيع إنكاره يده ولا بلسانه، فليكرهه بقلبه وليبرأ، وأما من روى فمن عرف فقد برئ فمعناه -واللَّه أعلم- فمن عرف المنكر ولم يشتبه عليه فقد صارت له طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته بأن يغيره بيده أو بلسانه، فإن عجز فليكرهه بقلبه.
"النووي في شرح مسلم [١٢/ ٢٠٣، ٢٠٤] طبعة دار الكتب العلمية".
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه [٦٢ - (١٨٥٤)]، [٦٣] كتاب الإمارة، [١٦] باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع وترك قتالهم ما صلوا ونحو ذلك.
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه [٦٥ - (١٨٥٥)]، [٦٦] كتاب الإمارة، [١٧] باب خيار الأئمة وشرارهم، والبيهقي في السنن الكبرى [٨/ ١٥٨]، والدارمي في سننه [٢/ ٣٢٤]، وابن أبي عاصم في السنة [٢/ ٥٠٩]، والتبريزي في مشكاة المصابيح [٣٦٧٠].
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه [٧٠٥٩] كتاب الفتن، [٤] باب قول النبي : "ويل للعرب من شر قد اقترب"، ومسلم في صحيحه [١ - (٢٨٨٠)]، [٢] كتاب الفتن، [١] باب اقتراب فتح ردم يأجوج ومأجوج، والترمذي في مسنده [٦/ ٤٢٨] كتاب الفتن، باب ما جاء في خروج يأجوج ومأجوج، وأحمد في مسنده [٦/ ٤٢٨]، ومالك في الموطأ [٩٩١]، والحميدي في مسنده [٣٠٨]، والهيثمي في مجمع الزوائد [٧/ ٢٦٩].
(٥) قوله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "إذا كثر الخبث" هو بفتح الخاء والباء، وفسره الجمهور =

<<  <  ج: ص:  >  >>