للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروينا في جامع الترمذي من حديث عمرو بن الأحوص (١) الجشمي: أنه سمع رسول اللَّه في حجة الوداع يقول بعد أن حمد اللَّه وأثنى عليه، وذكر ووعظ ثم قال: "ألا واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هنَّ عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربًا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهم سبيلا، ألا إن لكم على نسائكم حقًا، ولنسائكم عليكم حقًا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم مَنْ تكرهون، ولا يأذَنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن". (٢)

معنى عوان: أسيرات جمع عانية بالعين المهملة وهي الأسيرة، والعاني الأسير، شبه رسول اللَّه المرأة في دخولها تحت حكم الزوج بالأسير، والضرب المبرح هو الشاق الشديد. (٣)

ومعنى فلا تبغوا عليهن سبيلًا: لا تطلبوا طريقًا تحتجون به عليهن، وتؤذوهنَّ به، فقد اشتمل على بيان أمور: أحدها: إن الذي يملكه الزوج حبسها على طاعته ويجب حكمه.

ثانيها: أنه يؤدب بقدر الحاجة من غير تبريح.

ثالثها: أن الإتيان بالفاحشة المبينة، أي التي لا يحتمل التأويل يؤدبن عليه.

رابعها: أن طاعتهن إذا وجدت انتفى السبيل عليهن.


(١) عمرو بن الأحوص أبو سليمان الجشمي الكيلاني الأزدي، صحابي له حديث في حجة الوداع، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. ترجمته: تهذيب التهذيب [٨/ ٢]، تقريب التهذيب [٢/ ٦٥]، الكاشف [٢/ ٣٢٣]، تاريخ البخاري الكبير [٦/ ١٦٩]، الجرح والتعديل [٦/ ٦٤٠]، ميزان الاعتدال [٣/ ٢١٠]، المغني [٤٤٩٩]، تراجم الأحبار [٢/ ٥٥٤]، الوافي بالوفيات [٢٢/ ٥٠٢].
(٢) أخرجه الترمذي في سننه [١١٦٣] كتاب الرضاع، باب ما جاء في حق المرأة على الزوج، ورقم [٣٠٨٧] كتاب تفسير القرآن، من سورة التوبة، وابن ماجه في سننه [١٨٥١] كتاب النكاح، [٣] باب حق المرأة على الزوج، والسيوطي في الدر المنثور [٢/ ١٥٦]، والقرطبي في تفسيره [٥/ ١٨٣]، والألباني في إرواء الغليل [٧/ ٩٦].
(٣) قال تعالى: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [النساء: ٣٤]. قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ أي إذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران فلكم أن تضربوهن ضربًا غير مبرح، وقال الحسن البصري: يعني غير مؤثر، قال الفقهاء: هو أن لا يكسر فيها عضوًا ولا يؤثر فيها شيئًا. "تفسير ابن كثير [١/ ٤٩٢] ".

<<  <  ج: ص:  >  >>