للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس لي (رغبة) (١) إلى دار الخليفة، ولكني أشتهي عصيدة (٢) حارة، فاطرحت قوله حيث لم يوافق الجماعة، وقلت في نفسي: هذا قريب عهد بالطريقة لم يتأدب بعد فتركته، ومضيت إلى دار الخليفة، فأكلنا وسمعنا وتفرقنا آخر الليل، فلما دخلت الرباط رأيته على تلك الحال، فجلست على سجادتي، فلهجت عيناي بالنوم، وإذا بجماعة وقائل يقول: هذا رسول اللَّه والأنبياء فدنوت وسلَّمت عليه، فولى بوجهه عني معرضًا، فكررت ذلك وهو يعرض عني، فخفت من ذلك وقلت: يا رسول اللَّه: ما الذي أذنبت حتى تعرض عني؟ فقال: فقير من أمتي اشتهى عليك شهوة فتهاونت به، فاستيقظت مرعوبًا، وقمت نحو الفقير فلم أره، فسمعت صوت الباب، فخرجت في إثره، فإذا هو خارج، فناديته: يا فتى نحضر شهوتك، فالتفت إليَّ وقال: إذا اشتهى فقير عليك شهوة لا توصلها إليه حتى يشفع إليك مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، فلا حاجة إليها، ثم تركني وذهب.

الرابعة بعد العشرين: روي عن عبد الواحد بن زيد (٣) قال: كان لنا خادم يخدم السلطان، وهو معروف بالفساد والغفلة عن اللَّه -تعالى- فرأيته الليلة في المنام ويده في يد رسول اللَّه فقلت: يا رسول اللَّه إن هذا العبد السوء من المعرضين عن اللَّه -تعالى- فكيف وضعت يدك في يده؟ فقال : قد عرفت ذلك، وها أنا ماض به لأشفع له عند اللَّه -تعالى-، فقلت: يا رسول اللَّه، فبأي وسيلة بلغ ذلك منك؟ قال: بكثرة صلاته عليَّ، فإنه في كل ليلة يأوي إلى فراشه يصلي عليَّ ألف مرة، وإني لأرجو أن اللَّه -تعالى- يقبل شفاعتي فيه، قال عبد الواحد (٤): فلما أصبحت فإذا أنا بذلك


(١) بالأصل (فلت) وأثبتناها هكذا لتوافق النص.
(٢) العصيدة: دقيق يُلت بالسمن ويطبخ، جمعها: عصائد.
(٣) عبد الواحد بن زيد، أبو عبيدة البصري العابد القدوة شيخ الصوفية بالبصرة، روى عن عطاء والحسن وعبادة بن نسي وجماعة سواهم، وعنه وكيع ومحمد بن السماك وزيد بن الحباب وأبو سليمان الداراني وجماعة، وهو ضعيف الحديث، توفي بعد سنة (١٥٠). ترجمته: تاريخ البخاري الكبير [٦/ ٦٢]، الجرح والتعديل [٦/ ١٠٧]، ميزان الاعتدال [٢/ ٦٧٢]، الثقات [٧/ ١٢٤]، سير الأعلام [٧/ ١٧٨].
(٤) قال ابن الأعرابي: قال عبد الواحد بالمحبة على مذاهب أهل الخصوص، ولو صدق نفسه لاضطره قوله بالمحبة، إلى القول بالسنة والكتاب، ولكنه سامح نفسه، وتكلم في الشوق والغرق والأنس، وجميع فروع المحبة التي قال بها أهل الإثبات، وأن اللَّه يحب من أطاعه، وأن الطاعة والاتباع أوجب المحبة من اللَّه -تعالى- ومن قول السنة: إن اللَّه أحب قومًا فوفقهم لطاعته، فكانت محبته لهم واختياره، لما سبق من علمه لا لكسبهم، فكانت محبته لهم قبل عملهم وقبل خلقهم. تاريخ الإسلام، وفيات [١٥١ - ١٦٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>