للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّه، فوقع أجرنا على اللَّه -تعالى- فمنا من مضى لم يأخذ من أجره شيئًا منهم مصعب بن عمير؛ قتل يوم أحد وترك نمرة، فإذا غطينا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجله بدا رأسه، فأمرنا النبي أن نغطي رأسه، ونجعل على رجليه من الإذخر، ومنا من أينعت ثمرته فهو يهدُبُها" (١) أخرجاه.

والنمرة: كساء ملون من صوف، وأيعت: نضجت وأدركت، ويهدبها: بفتح الياء وضم الدال وكسرها لغتان: يقطعها ويجتنيها، وهذه استعارة لما فتح عليهم من الدنيا وتمكنوا فيها.

وفيه أن من أهل الزهد اتباعه من السادة المهاجرين قريب مما وصف بهم حالهم، وقوله: "ومنا من أينعت له ثمرته" كالمتحزِّن من خوف تعجيل الأجر ونحو ذلك.

الحديث الحادي بعد العشرين: حديث سهل بن سعد مرفوعًا: "لو كانت الدنيا تعدل عند اللَّه جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء" (٢) رواه الترمذي وقال: حديث صحيح.

وفيه بيان مرتبة الدنيا عند اللَّه، ولا أبلغ من قوله ذلك، وهل مرتبة أحسن من ذلك.

الحديث الثاني بعد العشرين: حديث أبي هريرة مرفوعًا: "ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر اللَّه وما والاه وعالم أو متعلم" (٣) رواه الترمذي وحسنه، وقد


(١) أخرجه البخاري في صحيحه [٦٤٤٨] كتاب الرقاق، [١٦] باب فضل ليلة القدر، ومسلم في صحيحه [٤٤ - (٩٤٠)] كتاب الجنائز، [١٣] باب في كفن الميت. الإذخر: بكسر الهمزة والخاه، وهو حشيش معروف طيب الرائحة، وفيه دليل على أنه إذا ضاق الكفن عن ستر جميع البدن ولم يوجد غيره جعل مما بلي الرأس، وجعل النقص مما يلي الرجلين، ويستر الرأس، فإن ضاق عن ذلك شر العورة فإن فضل شيء جعل فوقها، فإن ضاق عن العورة سترت السوأتان لأنهما أهم، وهما الأصل في العورة، وقد يستدل بهذا الحديث على أن الواجب في الكفن ستر العورة فقط ولا يجب استيعاب البدن عند التمكن. "النووي في شرح مسلم [٧/ ٧] طبعة دار الكتب العلمية".
(٢) أخرجه الترمذي في سننه [٢٣٢٠] كتاب الزهد، باب ما جاء في هوان الدنيا على اللَّه ﷿ والهيثمي في مجمع الزوائد [١٠/ ٢٨٨]، وابن حجر في المطالب العالية [٣١٧٢]، والخطيب في تاريخ بغداد [٤/ ٩٢]، والسيوطي في الدر المنثور [٦/ ١٧]، والقرطبي في تفسيره [٦/ ٤١٥]، ورواه ابن ماجه في سننه [٤١١٠] في الزهد، باب مثل الدنيا، بلفظ "ولو كانت الدنيا تزن عند اللَّه جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها قطرة أبدًا".
(٣) أخرجه الترمذي في سننه [٢٣٢٢] كتاب الزهد، باب منه - ما جاء في هوان الدنيا على اللَّه ﷿ =

<<  <  ج: ص:  >  >>