للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخاتمة: حديث أبي هريرة مرفوعًا: "أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا اللَّه باطل" (١) أخرجاه.

وهو بيان مجاري الزهد ومحتمة، فتأمل ذلك، وكل باطل، فحتم على العاقل عزوب النفس عنه، تواصيًا بالحق، وحفظًا للتوحيد المحض ولا براعة ختم كهذا.

ولنذكر الحكايات المتعلقة بالزهد مع طرف منها:

الأولى: روي أن عيسى صحبه رجل وقال: يا نبي اللَّه، أكون معك، فانطلقا فانتهيا إلى شط نهر فجلسا يتغذَّيان ومعهما ثلاثة أرغفة، فأكلا رغيفين، وبقى رغيف، فقام عيسى إلى النهر فشرب ثم رجع فلم يجد الرغيف، فقال للرجل: من أخذ الرغيف؟ قال: لا أدري، فانطلق ومعه الرجل فرأى ظبية (٢) معها ولدان لها، فدعا واحدًا فأتاه فذبحه وشوى منه فأكل هو وذلك الرجل، ثم قال له بعد ما ذبحه وأكلا منه قم بإذن اللَّه ﷿ فقام، فقال للرجل: أسألك بالذي أراك هذه الآية، من أخذ الرغيف؟ قال: لا أدري، فانطلقا حتى انتهيا إلى مغارة، فجمع عيسى ترابًا وكثيبًا ثم قال: كن ذهبًا بإذن اللَّه ﷿ فصار ذهبًا، فقسمه ثلاثة أقسام وقال: ثلث لك، وثلث لي، وثلث للذي أخذ الرغيف، فقال أنا الذي أخذت الرغيف، قال: فكله لك، وفارقه عيسى فانتهيا إلى رجلان في المغارة ومعه الذهب، فأرادا أن يأخذاه ويقتلاه، فقال: هو بيننا أثلاثًا، فقبلا ذلك، فقال: يذهب واحد إلى القرية حتى يشتري لنا طعامًا، فذهب واحد واشترى طعامًا وقال في نفسه: لأي شيء أقاسمهما هذا المال، أنا أجعل في الطعام سما فأقتلهما وآخذ المال جميعه، فجعل فيه السم، وقالا هما فيما بينهما: لأي شيء نجعل لنا ثالثًا، إذا رجع قتلناه، واقتسمنا المال نصفين، فلما رجع إليهما قتلاه، ثم أكلا من الطعام فماتا، فبقي ذلك المال في المغارة وأولئك الثلاثة قتلى عنده، فمر عليهم عيسى فرآهم على تلك الحالة فقال لأصحابه: هذه الدنيا فاحذروها.

الحكاية الثانية: روي أن عيسى كشفت له الدنيا في صورة عجوز شمطاء عليها من كل زينة، فقال لها: كم تزوجت؟ قالت: لا أحصيهم، قال: فكلهم مات عنك أو كلهم طلقك، قالت: بل كلهم قتلت، فقال عيسى : بؤسًا


(١) أخرجه البخاري في صحيحه (٦٤٨٩) كتاب الرقاق، [٢٩] باب الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك، ومسلم في صحيحه [٣ - (٢٢٥٦)] كتاب الشعر في مقدمته، وابن ماجه (٣٧٥٧)، وأحمد في مسنده (٢/ ٣٣٩)، والتبريزي في مشكاة المصابيح (٤٧٨٦).
(٢) الظبي: جنس حيوانات من ذوات الأظلاف والمجوفات القرون، أشهرها الظبي العربي، ويقال له الغزال الأعفر، وهي ظبية، جمعها: ظباء.

<<  <  ج: ص:  >  >>