للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه، فقال: أتعرف ولدي؟ قلت: نعم، قال: في أي شيء كان يعمل؟ قلت: في الطين والحجارة، قال: استعملته أنت؟ قلت: نعم. قال: استعملته وله اتصال برسول اللَّه ؟ فقلت: المعذرة إلى اللَّه ثم إليك يا أمير المؤمنين؛ فإني ما علمت من هو إلا عند وفاته. قال: أنت غسَّلته بيدك؟ قلت: نعم. قال: هات يدك، فأخذها وتركها على صدره وهو يقول: بأبي كيف كفنت العزيز القريب؟ ثم أنشأ يقول:

يا غريبا عليه قلبي يذوب … ولعيني عليه دمع سَكُوب

يا بعيد المكان حزني قريب … كدَّر الموت كل عيش يطيب

كان نذرًا عليَّ قضيت لحين … فمضى النذر في الثدي (والقضيب) (١)

قال: ثم تجهز وخرج إلى البصرة وأنا معه، حتى انتهى إلى القبر. فلما رآه غشي عليه، فلما أفاق أنشد يقول:

يا غائبا لا يؤوب (٢) من سفره … عاجله موته على صغره

يا قرة العين كنت لي أنسا … في طول ليلي نعم وفي قصره

شربت كأسا أبوك شاربها … لا بد من شربها على كبره

اشربها والأنام كلهم … من كان من بدوه ومن حضره

فالحمد للَّه لا شريك له … قد كان هذا القضاء من قدره

قال أبو عامر: فلما كان تلك الليلة قضيت وردي واضجعت، فإذا (يفتة) (٣) من نور عليها صحاف من نور، وإذا قد كشف الصحاف، فإذا الغلام ينادي: يا أبا عامر جزاك اللَّه عني خيرا، فقلت: ولدي إلى ماذا صرت؟ قال: إلى رب راض غير غضبان؛ أعطاني ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر (٤) وآلى على نفسه أن لا يخرج عبد من الدنيا مثل خروجي إلا كرمه مثل كرامتي.

فاستيقظت فرحًا به وبما قال لي وبشرني به - رحمه اللَّه تعالى.

الثالثة عشرة: عن عبد الرحمن بن حفصة قال: إنه رأى عمر يبكي، فجلس يبكي لبكائه.


(١) كذا بالأصل، وأظنها (وانقلب).
(٢) الأوب: الجهة والناحية، يقال: جاءوا من كل أوب.
(٣) كذا بالأصل.
(٤) حديث "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" أخرجه مسلم في صحيحه [٢ - (٢٨٢٤)] كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها في مقدمته.

<<  <  ج: ص:  >  >>