للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم جاء محمد فجلس يبكي لبكائهما، فاشتد بكاؤهم جميعًا، فبكى الرسول (١) أيضًا لبكائهم، ثم أرسل إلى صاحبه فأخبره بذلك، وأرسل إلى ربيعة بن أبي عبد الرحمن يستعلم عن ذلك البكاء، فجاء ربيعة وذكر ذلك لمحمد، فقال محمد سله؛ فهو أعلم ببكائه، فاستأذن عليه ربيعة فقال: يا أخي ما الذي أبكاك من صلة الأمير؟ فقال: إني واللَّه حسبت أن تغلب الدنيا على قلبي فلا يكون للآخرة فيها نصيب، فذلك الذي أبكاني. وأمر بالمال فتصدق به على فقراء أهل المدينة.

قال: فجاء ربيعة فأخبر الأمير بذلك، فبكى وقال: هكذا واللَّه يكون أهل الجنة.

الرابعة عشرة: عن ذي النون (٢) قال: بينما أنا أسير في بعض الطرق إذا أنا بفتى حسن الوجه، بين عينيه أثر التهجد، فقلت: حبيبي، من أين قدمت؟ فقال من عنده. فقلت: وإلى أين تريد؟ قال: إلى عنده. قال: فعرضت عليه النقود، فنظر إليَّ مغضبا ثم ولى، وأنشأ يقول:

وكافر باللَّه مولاه … يزداد ضعافا على كفره

ومؤمن ليس له درهم … يزداد إيمانًا على فقره

لا خير في من لم يكن عاقلًا … يمد رجليه على قدره

الخامسة عشرة: قال أبو علي بن جبران: مرَّ أبو تراب بمزيِّن فقال: أتحلق رأسي للَّه تعالى؟ فقال له: اجلس، فجلس، فبينما هو يحلق رأسه إذ مر به أمير من أهل بلده، فسأل حاشيته، فقال: أليس هذا أبو تراب؟ فقالوا نعم. فقال أي شيء معكم من الدنانير؟ فقال له رجل: معي خريطة فيها ألف دينار، قال: إذا قام فأعطه إياها واعتذر إليه، وقل له: لم يكن معنا غير هذه.

فجاء الغلام إليه فقال له: إن الأمير يقرأ عليك السلام، ويقول لك: ما حضر معنا غير هذه الدنانير. فقال: ادفعها إلى المزين، فقال المزين: أي شيء أعمل بها؟ فقال: خذها. فقال: واللَّه ولو أنها ألف دينار ما أخذتها، فقال الغلام: إنها ألف دينار. قال لا حاجة لي بها، إنما حلقت رأسه لوجه اللَّه. فقال له أبو تراب: ردها


(١) كذا بالأصل، وأظنه الرسول الذي أرسله الأمير إلى عمر، هذا الذي لم يعرف ما هو، وأظنه أحد الزهاد.
(٢) اسمه ثوبان بن إبراهيم، ويقال: أبو الفيض بن أحمد، ويقال: ابن إبراهيم أبو الفيض، ويقال: أبو الفياض الأخميمي، وأبوه نوبي، وروى عن مالك والليث وابن لهيعة وفضيل وسفيان بن عيينة وسلم الخواص، وجماعة، توفي سنة (٢٤٦، ٢٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>