للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه وقل له إن المزين ما رضي يأخذها، فخذها أنت واصرفها في مهماتك.

السادسة عشرة: قال الشبلي: قال لي خاطري يومًا: أنت بخيل، فقلت: ما أنا بخيل، فقال: بلى أنت بخيل ثلاثا. فنويت أن أول شيء يفتح به علي أعطيه لأول فقير ألقاه، فما تم الخاطر حتى دخل عليَّ إنسان. سماه (١) بخمسمائة دينار، فأخذتها وخرجت فأول من لقيت فقيرًا ضريرًا أو قال: أكمه (٢) بين يدي مزين يحلق شعره، فناولته ذلك، قال: أعطها للمزين. فقلت: إنها دنانير، فرفع رأسه إليَّ وقال: أما قلنا لك إنك بخيل؟ فناولتها للمزيِّن فقال: عقدت مع اللَّه عقدًا أن لا آخذ من هذا الفقير شيئًا.

قال: فأخذتها وذهبت بها إلى البحر فرميتها فيه، وقلت: فعل اللَّه بك وفعل؛ ما أحبك أحد إلا أذله اللَّه.

فإن قلت: كيف رماها الشبلي وساغ له ذلك؟ قلت: يجوز أن يكون غائبا أو شهد فيها سما مهلكا، أو كان ذلك بإشارة مؤذية اضطر إلى ذلك.

السابعة عشرة: عن إبراهيم بن شبيب قال: كنا نتجالس في يوم الجمعة، فأتى رجل عليه ثوب واحد ملتحف به فجلس إلينا وألقى مسألة، فما زلنا نتكلم في الفقه حتى انصرفنا.

ثم جاءنا في الجمعة فأجبناه وسألناه عن منزله، فأخبرنا به، وسألناه عن كنيته فقال: أبو عبد اللَّه. فرغبنا في مجالسته، فمكثنا كذلك زمنًا، ثم انقطع عنا، واجتمعنا وأتيناه في بيته وسألنا عنه فقال: ذاك أبو عبد اللَّه الصياد ذهب يصطاد والآن يأتي، فقعدنا ننتظره، وإذا هو قد أقبل مؤتزرًا بخرقة، وعلى كتفه أخرى، ومعه أطيار مذبوحة، وأطيار أحياء. فلما رآنا تبسم إلينا، فقلنا: قد كنت عمَّرت مجلسنا فما غيَّبك عنا؟ قال: إذًا أصدقكم، كان لي جار أستعير منه ذلك الثوب الذي كنت آتيكم به، وقد سافر. ثم قال: هل لكم أن تدخلوا المنزل فتأكلوا مما رزق اللَّه، فدخلنا وقعدنا، فدخل على امرأته وسلم إليها الأطيار المذبوحة، وأخذ الأطيار الأحياء فباعها بالسوق واشترى خبزًا وملحًا، وقد صنعت المرأة ذلك وهيأته، فقدم إلينا خبزًا وطيرًا وملحًا، فأكلنا وخرجنا.

فقال القوم بعضهم لبعض: ألا تنظرون إلى حال هذا الرجل وما هو فيه من الفقر مع فضله وصلاحه، وأنتم قادرون على أن تجمعوا له ما يقوم بحاله. فاتفقوا على أن


(١) أي سماه باسمه.
(٢) كَمِهَ الرجل كمها: عمي، فهو أكمه، وهي كمهاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>