للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجمعوا له ما يستغني به، وانصرفنا على عزم أن نأتي بما وعدوه به، وهو خمسة آلاف درهم.

فلما مررنا بالمربد إذا أمير البصرة محمد بن سليمان قاعد في منظرة له، وهو يقول: يا غلام ائتني بإبراهيم بن شبيب، قال: فأتيته، فسألنا عن قصتنا، ومن أين أقبلنا، فصدقته الحديث، فقال: أنا أحقكم، فأمر له بعشرة آلاف درهم. ففرحت بذلك وأسرعت، فلما رآها انقلب وتغير لونه وقال: ما لي ولك يا هذا؟ أتريد أن تفتنني؟ فأخبرته الخبر، وأن الأمير أخذ (. . . . .) (١) فازداد غضبًا وأغلق الباب، فرجعت إلى الأمير فأخبرته، فقال: حروري، وأمر بضرب عنقه، فسكنته وقلت: أنا آتيك به، فسكن غضبه، ثم أتيته فإذا زوجته تبكي، وقالت: ما شأنكم بأبي عبد اللَّه؟ دخل فنزع ما كان عليه وتوضأ ثم صلى، فسمعته يقول: اللهم اقبضني إليك ولا تفتني، فقضى نحبه.

فأخبرت الأمير، فصلى عليه وعامة أهل البصرة.

الثامنة عشرة: عن عمر بن عبد العزيز أنه قيل له لما حضرته الوفاة: تركت أولادك فقراء لا شيء لهم (٢). فقال: أولادي أحد رجلين: إما رجل يتقي اللَّه فسيجعل اللَّه له مخرجا وهو يتولى الصالحين، وإما رجل منكب على المعاصي، فلا أقويه على معاصي اللَّه.

وكان يؤتى بالحلة قبل أن يتولى الخلافة بألف درهم فيقول: ما أحسنها لولا خشونة ما فيها. ويؤتى بالحلة وهو في الخلافة بأربعة دراهم أو ستة فيقول: ما أحسنها لولا نعومة فيها. فقيل له في ذلك، فقال: إن لي نفسا تواقة ذواقة؛ إذا تاقت إلى شيء وذاقت تاقت إلى ما فوقه، فلم تزل تتوق وتذوق إلى أن ذاقت الخلافة فتاقت إلى ما فوقها، فلم تجد شيئًا فوقها إلا ما عند اللَّه تعالى في الدار الآخرة


(١) كلمة غير واضحة بالأصل.
(٢) قال مالك بن دينار: الناس يقولون: إني زاهد، إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها. وقال الفسوي بسنده عن عبد العزيز بن عمر، قال دعاني المنصور قال: كم كانت غلة عمر بن عبد العزيز حين أفضت إليه الخلافة؟ قلت: خمسون ألف دينار، فقال: كم كانت غلته يوم مات؟ قلت: ما زال يردها حنى كانت مائتي دينار.
وبسنده عن مسلمة بن عبد الملك قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز فإذا عليه قميص وسخ، فقلت لامرأته فاطمة. وهي أخت مسلمة: اغسلوا قميص أمير المؤمنين، قالت: نفعل، ثم عدت فإذا القميص على حاله، فقلت لها: فقالت: واللَّه ما له قميص غيره. [تاريخ الإسلام، وفيات [(١٠١ - ١١٠)].

<<  <  ج: ص:  >  >>