للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مني إذا هو يعرج، فهمهم وبرك بين يدي ووضع يده في حجري، فنظرت فإذا يده منتفخة فيها قيح ودم.

فأخذت خشبة وشققت الموضع الذي فيه القيح وشددت على يده خرقة، ومضى، فإذا أنا به بعد ساعة ومعه شبلان (١) يحملا إليَّ رغيفين.

التاسعة: قال الربيع: حج أبو جعفر (٢) سنة سبع وأربعين ومائة فقدم المدينة فقال لي: ابعث إلى جعفر بن محمد، فتغافل عنه الربيع، فأرسل إليه برسالة قبيحة في جعفر وأمره أن يبعث إليه، ففعل.

فلما جيئ به وأحضر بين يديه قال له: "يا عدو اللَّه اتخذك أهل العراق إماما يجتبون إليك زكاة أموالهم، ونحلت من سلطاني، قتلني اللَّه إن لم أقتلك".

فقال: يا أمير المؤمنين إن سليمان. . أعطى فشكر، وأيوب ابتلي فصبر، وإن يوسف ظلم فغفر.

فقال له أبو جعفر: إليَّ يا أبا عبد اللَّه البرئ الساحة السليم الناحية، القليل الغائلة، جزاك اللَّه خيرًا.

ثم تناول يده وأجلسه معه على فراشه.

ثم قال: يا ربيع ألحق أبا عبد اللَّه جائزته وكسوته، ثم قال: انصرف في حفظ اللَّه وفي كنفه، فانصرف فلحقته فقلت له: إني قد رأيت قبل أن تأتي ما لم تره، ورأيت بعد أن أتيت ما قدر رأيت فما هذا؟ فقال: يا أبا عبد اللَّه حين دخلت قلت: "اللهم احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بكنفك الذي لا يُرام، واغفر لي بقدرتك عليَّ، لا أهلك وأنت رجائي. اللهم إنك أكبر وأجل مما أخاف وأحذر، اللهم بك أدفع في نحره، وبك استعيذ من شره".

العاشرة: عن سري السقطي قال: كان يسكن في جواري رجل صالح ورع من أهل القرآن. وكان فقيرا ذا عائلة فاشتدت به الفاقه والضيقة في يعض أيامه فوقع في


(١) الشبل: ولد الأسد، جمعها: أشبال.
(٢) أبو جعفر المنصور عبد اللَّه بن محمد بن علي بن عبد اللَّه بن عباس القرشي الهاشمي العباسي أمير المؤمنين، وأمه سلامة البربرية ولد سنة خمس وتسعين أو في حدودها، وروى عن أبيه ورأى جده، وعنه ولده المهدي، وكان قبل أن يلي الإمامة يقال له عبد اللَّه الطويل، ولى الخلافة بعد موت أخيه السفاح سنة [١٢٢] وكان أسمر طويلًا نحيفًا مهيبًا، وكان جمَّاعًا للمال تاركًا للهو واللعب كامل العقل جيد المشاركة في العلم والأدب فقيه النفس، قتل خلقا كثيرا حتى استقام ملكه، وكان في الجملة يرجع إلى عدل وديانة وله حظ من صلاة وتدين، وكان فصيحًا بليغا مفوها، خليقا للإمارة، توفي سنة [١٥٨]. [تاريخ الإسلام وفيات (١٥١ - ١٦٠)].

<<  <  ج: ص:  >  >>