نفسه أن يكتب حاله في ورقة ويدفعها إلى اللَّه ﷿ فلما كتبها أدركه الليل، فانتصب في محرابه يصلي ويدعو ويشير بالورقة على السماء، فلم يزل كذلك أكثر ليلته فمسَّه السهر وأعياه القيام.
وجلس يصلي قاعدا إلى أن بقى من الليل قليل فغلب عليه النوم، فرأى في منامه رجلا حسن الوجه يقول له: ما هذه الغفلة التي لحقتك ترفع إلى اللَّه سوادا في بياض؟
قال: فكيف أصنع؟
قال: إذا أردت ذلك فاستمد بيد الشكر من بحر الذكر بقلم الصبر، واكتب على قلبك بياض الفكر على رهب الطلب.
قال: قلت: ماذا أكتب؟
قال: يا من أفضاله أفضل أفضال المتفضلين، وإنعامه أنعم إنعام المنعمين، وعجز عن شكره شكر الشاكرين.
قد جربت غيرك من المأمولين بغيري من السائلين، فإذا كل قاصد إلى غيرك مردود، وكل طريق إلى سواك مسدود، وكل خير عندك موجود وعند سواك معدوم مفقود.
قال: قلت: يا سيدي ما أحسن هذا؟
قال: فإن بقى في بياض بصيرتك وصرح عزيمتك بقية. فاكتب: يا من إليه توسَّلت وعليه في السراء والضراء عوَّلت، حاجاتي مصروفة إليك، وآمالي موقوفة لديك، وكل ما وفقتني له من خير أعمله وأطيقه، فأنت دليل عليه بطريقه.
قال: فقلت: يا سيدي وهذا أحسن.
قال: فإن بقى في بياض بصيرتك وصرح عزيمتك بقية، فاكتب: يا قادرا لا ترده المطالب، ويا مالكا يرغب إليه كل راغب، ما زلت مصحوبا منك بالنعم جاريا على عادات الإحسان والكرم، يا من بكرمه يبلغ الكرم، ومن حمده يزيد النعم.
قال: قلت: يا سيدي وهذا أحسن.
قال: فإن بقى في بياض بصيرتك وصرح عزيمتك بقية فاكتب: يا من جعل البصر عونا على بلائه، وجعل الشكر مادا لنعمائه أسألك صبرًا جميلًا على المحن وتوفيقا للشكر على المنن، فقد عظمت محنتك عن صبري، وجلت نعمتك عن شكري، فتفضل علي بإقراري بعفو أنت أوسع له وأقدر عليه، فإن لم يكن لذنبي عذر تقبله فاجعله ذنبا تغفره.