فقام التاجر فتوضأ وصلى أربع ركعات، ثم رفع يديه وكان من دعائه يا ودود ثلاثا يا ذا العرش المجيد يا مبدئ يا معيد يا فعال لما تريد أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك وأسألك بقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك وبرحمتك التي وسعت كل شيء، لا إله إلا أنت، يا مغيث أغثني ثلاثًا.
فلما فرغ إذا بفارس على فرس أشهب وعليه ثياب خضر وبيده حربة من نور، فلما نظر اللص قتله ثم رجع إلى التاجر وقال: اعلم أني ملك من ملائكه السماء الثالثة حين دعوت المرة الأولى سمعنا لأبواب السماء قعقعة فقلنا: أمر حدث، ثم دعوت الثانية ففتحت أبواب السماء ولها شرر كشرر النار.
ثم دعوت الثالثة فهبط جبريل وهو ينادي من لهذا المكروب، فدعوت ربي أن يوليني قتله، واعلم يا عبد اللَّه أن من دعا بدعائك هذا في كل كربة وشدة وكل نازلة، فرج اللَّه عنه وأعانه، وجاء التاجر سالما غانما حتى دخل المدينة، وجاء إلى رسول اللَّه ﷺ وأخبره بالقصة وبالدعاء.
فقال ﷺ: "لقد لقنك أسماءه الحسنى التي إذا دعي بها أجاب، وإذا سئل بها أعطى".
السادسة عشرة: روى أنه كان بالكوفة رجل يكاري ويثق به التجار ويأمنونه على أموالهم، فسار وحده في وقت.
فلما خرج من العمران لقيه في طريقه رجل فقال: أين تريد؟
فقال المكاري: أريد كذا وكذا.
فقال له الرجل: لولا قلة مقدرتي على المشي لكنت رفيقك إليها، لكن إن شئت أعطيتك دينارًا، وتحملني على دابتك.
فقال له: أفعل.
فأخذه وحمله على دابته، فلما صار في بعض الطريق ظهر لهما طريقان.
فقال الراكب لصاحب الدابة أيهما نأخذ؟
فقال: الزم الجادة.
فقال له الراكب: أليس هذا الطريق أقصر وأخصب لدابتك؟
فقال: ما سلكتها قط.
قال: أنا سلكتها مرارا كثيرة.
قال: فسر حيث شئت، فسار من النهار حتى رفَّت تلك الطريق، ورمتهم إلى وادٍ مُوحش فيه جيف القتلى كثيرة.