للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال المكاري: أرى هذه الطريق قد انقطع.

فنزل الرجل عن الدابة وأخرج سكينا وقصد قتل المكاري.

فقال له: لا تفعل ودونك البغل وما عليه.

قال: لا واللَّه لا آخذ البغل حتى أقتلك.

فقال له: سألتك باللَّه العظيم إلا ما تركتني وأخذت البغل بما عليه.

فقال: لا بد من قتلك إلا أن يسبقني ملك الموت.

قال: فدعني أختم عملي بركعتين ولا تعجل عليَّ فضحك من كلامه وقال: قم فافعل فإنه قد فعل مثل ذلك كل من ترى، فما نفعتهم صلاتهم ولا خلصهم مني، فعجِّل صلاتك.

فقام يصلي، فكبر، ثم قرأ بأم القرآن ثم تلجلج ولم يدر ما يقول، فنهره وقال: عجِّل: لا أم لك فألهمه اللَّه: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ (١).

فرفع صوته وهو يبكي، فإذا بفارس قد خرج من بطن الوادي وبيده رمح، وفي رأسه سنان كأنه كوكب مضيء فأجاب، فقصد الرجل أسرع من اللحظة فطعنه طعنة من ورائه خرَّ بها على وجهه.

ثم التهب في المكان الذي وقع فيه النار.

فلما رأى ذلك صاحب الدابة خر ساجدا للَّه ما شاء اللَّه، ثم رفع رأسه إلى الفارس وقال: سألتك باللَّه الذي رحمني بك من هذا المكان من أنت؟

فقال: أنا عبد لمن يجيب المضطر إذا دعاه.

اذهب حيث شئت فلا بأس عليك.

وأنشدوا:

لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا … وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد

فقلت يا أملي في كل نائبة … ومن عليه لكشف الضر أعتمد

أشكو إليك أمورا أنت تعلمها … ما لي على حملها صبر ولا جلد

وقد مددت يدي بالصبر مبتهلًا … إليك يا خير من مدت إليه يد

فلا تردنها يا رب خائبة … فبحر جودك يروي كل من يرد

السابعة عشرة: حكى أن بعض الملوك غضب على بعض الفقراء، فبنى عليه قبة ولم يترك له منفذا ومنعه الطعام والشراب.


(١) سورة النمل [٦٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>