للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصائمون وأما أصحاب الضحك فهم أهل التوبة، وأما أصحاب البكاء فهم المذنبون.

وأما أصحاب المراتب فهم المتحابون في اللَّه تعالى.

الثانية عشرة: قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي نمت ليلة في سياحتي على رابية من الأرض فجاءت السباع فطافت بي وأقامت حولي إلى الصباح، فما وجدت أنسا وجدته تلك الليلة فلما أصبحت خطر لي أنه قد حصل لي شيء من مقام الأنس باللَّه، فهبطت واديا هناك فيه طيور حجل (١) لم أرها، فلما أحست بي طارت في دفعة واحدة كلها، فخفق قلبي رعبًا فسمعت قائلا يقول: يا من كان البارحة يأنس بالسباع، مالك تفزع لخفقات الحجل، ولكنك البارحة كنت بنا والآن أنت بنفسك.

وقال أيضًا: جعت مرة ثمانين يومًا، فخطر أنه قد حصل لي نصيب من هذا الأمر، وإذا بامرأة خارجة من مغارة كان وجهها ضياء الشمس حسناء وهي تقول: منحوس جاع ثمانين يوما فأخذ يُدِلُّ على اللَّه بعمله فأنا لي ستة أشهر لم أذق طعامًا.

وقال أيضا: قلت يوما وأنا في مفازة في سياحتي: إلهي متى أكون لك عبدًا شكورًا.

فسمعت قائلا يقول إذا لم ترى منعما عليه غيرك فقلت: إلهي كيف لا أرى مُنْعَمًا عليه غيري وقد أنعمت على الأنبياء والعلماء والملوك.

فإذا قائل يقول: لولا الأنبياء لما اهتديت، ولولا العلماء لما اقتديت، ولولا الملوك لما أمنت والكل نعمة مني عليك.

الثالثة عشرة: قال إبراهيم الخواص: دخلت البادية فأصابتني شدة فكابدتها وصابرتها.

فلما دخلت مكة داخلني شيء من الإعجاب.

فنادتني عجوز من الطواف يا إبراهيم كنت معك في البادية، فلم أكلمك لأني لم أرد أن أشغل سرك عنه، أخرج هذا الوسواس عنك.

الرابعة عشرة: قال أبو الحسن المزيِّن دخلت البادية على التجريد حافيًا حاسرًا، فخطر ببالي أنه ما دخل البادية في هذه السنة أحد أشد تجريدًا مني، فحدثني إنسان من ورائي وقال: يا حجام كم تمنيك نفسك بالأباطيل.

وأنشدوا:


(١) الحجل: طائر في حجم الحمام أحمر المنقار والرجلين طيب اللحم.

<<  <  ج: ص:  >  >>