ثم قال: يا فلان ائت صاحب البستان فاستلف منه دينارين واشترى ما يصلحه بدينار، وأعطه الآخر، فاشتريت بالدينار من كل شيء، وأوقفت البعير ودفعت ما فيه لأهله وكان غائبًا والدينار الآخر، فقالت: على يدي من بُعِثَ هذا؟
قلت: على يد أخيه إبراهيم بن أدهم، فرفعت طرفها إلى السماء، وقالت: اللهم لا تنساها له.
تاسعة: عن بعض الصالحين قال: دخلت مسجدا لأصلي فيه، فإذا فيه رجل عابد، ورجل من التجار جالس قال: فسمعت العابد يقول يا سيدي ومولاي اشتهى عليك اليوم من الطعام لون كذا وكذا، ولون كذا وكذا من الحلوى.
فقال التاجر: واللَّه لو سألني لأعطيته، ولكن هذا يحتال عليَّ ويُرائى حتى أُعطيه، واللَّه لا أعطيه شيئًا.
فلما فرغ من دعائه نام في ناحية من المسجد، وإذا برجل قد دخل ومعه قعبة مغطاة، فنظر يمينا وشمالا فرأى العابد نائما فأيقظه وترك القعبة بين يديه والتاجر ينظر إليه، فوجد اللون الذي اشتهاه من الطعام والحلوى، فأكل منه قدر شهوته، وغطى القعبة وردها.
فقال التاجر للذي جاء بها سألتك باللَّه هل تعرف هذا الرجل قبل اليوم؟ قال: لا واللَّه ما أعرفه، وإنما أنا رجل حمال، وكنت قد اشتهيت على زوجتي وابني هذا اللون منذ سنة، فما طالت يدي إليه، وكان اليوم حملت لرجل فأعطاني مثقالين من الذهب فاشتريت به لحما وغيره، وأتيت به إلى منزلي فصنعته زوجتي فغلبتني عيني فنمت، فرأيت رسول اللَّه ﷺ فقال: قدم اليوم عليكم ولي من أولياء اللَّه، وهو في المسجد، وقد اشتهى ما عملته زوجتك، فأحمله إليه يأكل منه شهوته، ويجعل اللَّه لك البركة فيما بقى وأنا الكفيل لك بالجنة.
فانتبهت وجئت به كما ترى.
فقال التاجر: قد سمعته يسأل اللَّه ذلك.
ثم قال له: كم أنفقت على هذا الطعام؟
قال: مثقالًا، فقال التاجر: خذ مني عشرة مثاقيل فاجعل لي في أجرك قيراطا.
قال: لا، قال خذ عشرين، قال: لا، قال: خذ خمسين، قال: لا، قال: خذ مائة، قال: لا واللَّه ما بعت شيئًا مما ضمنه لي رسول اللَّه وتكفله، ولو أُعْطِيتُ الدنيا جميعًا.
فلو كان لك نصيب من أجر شهوة هذا الولي لكنت سبقتني أنت إليه، ولكن يختص من يشاء قال: فندم التاجر حيث لا ينفعه الندم، وخرج من المسجد نادمًا على ما فاته.