للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه ما يشعر بأن الصلة أرجح من صنائع المعروف؛ لأن الرحم معلقة بالعرش، وأي قرب هكذا، ثم هي على مرَّ الأنفاس بقول: "من وصلني وصله اللَّه" وأي دعاء أجمع من هذا أو يسمع له ويستجاب مثله وهل في معروف آخر هكذا.

وروينا في الصحيحين من حديث ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين أنها قالت: أعتقت وليدتي فقال: "أوفعلت؟ ". قالت: نعم. قال: "أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك" (١). وهو ظاهر في أن صلة الأخوال والأخوات أعظم أجرًا من العتق العظيم أجره.

وروينا فيهما من حديث أسماء بنت الصديق قالت: قدمت عليَّ أمي وهي مشركة، فاستفتيت رسول اللَّه فقلت: إن أمي قدمت علي وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: "نعم، صلي أمك" (٢). معنى راغبة: طامعة فيما عندي تسألني شيئًا، وهي أمها من النسب على الأصح، وقيل: من الرضاعة. وفيه أن كفر الأرحام ليس بمانع من برِّهم وصلتهم. وفيهما من حديث الثقفية امرأة عبد اللَّه بن مسعود قالت: قال رسول اللَّه : "تصدقن يا معشر النساء (٣)، ولو من حليكن". قالت: فرجعت إلى عبد اللَّه فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول اللَّه قد أمرنا بالصدقة، فأته فاسأله، فإن كان كاف ذلك يجزي عني وإلا صرفتها إلى غيركم، قالت: فقال لي


= قطيعتها. وابن حبان في صحيحه [٢٠٣٤ - الموارد]، وابن أبي شيبة في مصنفه [٨/ ٣٤٨]، والزبيدي في الإتحاف [٦/ ٣١١].
(١) أخرجه البخاري في صحيحه (٢٥٩٢) كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها [١٥] باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج، فهو جائز إذا لم تكن سفيهة، فإذا كانت سفيهة لم يجز، ومسلم في صحيحه [٤٤ - (٩٩٩)] كتاب الزكاة [١٤] باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين، والحاكم في المستدرك (٢/ ٢١٣)، وابن خزيمة في صحيحه (٢٤٣٤)، والمنذري في الترغيب والترهيب (٣/ ٣٣٧).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه (٣٦٢٠) كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، [٢٩] باب الهدية للمشركين، ورقم (٣١٨٣) كتاب الجزية والموادعة [١٨] باب حدثنا عبدان. . .، وانظر أرقام (٥٩٧٨، ٥٩٧٩). ومسلم في صحيحه [٥٠ - (١٠٠٣)] كتاب الزكاة [١٤] باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين. وأحمد في مسنده (٢/ ٣٤٤). وعبد الرزاق في مصنفه (٩٩٣٢، ١٩٤٣٠). والمنذري في الترغيب والترهيب (٣/ ٣٢٢).
(٣) قال النووي: فيه أمر ولي الأمر رعيته بالصدقة وفعال الخير وعظة النساء إذا لم يترتب عليه فتنة، والمعشر الجماعة الذين صفتهم واحدة. وقوله : "ولو من حليكن" هو بفتح الحاء وإسكان اللام، مفرد، وأما الجمع فيقال بضم الحاء وكسرها، واللام مكسورة فيهما، والياء مشددة. [النووي في شرح مسلم (٧/ ٧٥، ٧٦) طبعة دار الكتب العلمية].

<<  <  ج: ص:  >  >>