للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا أبلغ من وصيته بأهل إقليم كثير من أجل أن أم جده الأعلى إسماعيل الذبيح منهم، وهو الرحم، والصهر سلف. وما أشد صلة من يصل هذه الأرحام البعيدة الكبيرة جدًا.

وروينا في الصحيحين (١) من حديث أبي سفيان صخر بن حرب حديثه الطويل في قصة هرقل أن هرقل قال لأبي سفيان: فماذا يأمركم؟. يعني النبي . قال: فقلت: يقول: اعبدوا اللَّه وحده ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة (٢) قلت: لأنها كمال ومعروف في كل عقل وكل ملة.

وروينا في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: "لما نزلت هذه الآية: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)(٣) دعا رسول اللَّه قريشا فاجتمعوا فعم وخصّ، فقال: "يا بني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني عبد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني عبد المطلب، أنقذوا أنفسكم من النار. يا فاطمة، أنقذي نفسك من النار؛ فإني لا أملك لكم من اللَّه شيئًا، غير أن لكم رحما سأبُلُّها (٤) ببلالها"" (٥) ومعناه سأصلها، شبَّه


= اللَّه ؛ منها إخباره بأن الأمة تكون لهم قوة وشوكة بعده، بحيث يقهرون العجم والجبابرة، ومنها أنهم يفتحون مصر، ومنها تنازع الرجلين في موضع اللبنة، ووقع كل ذلك وللَّه الحمد. (النووي في شرح مسلم (١٦/ ٧٨، ٧٩) طبعة دار الكتب العلمية).
(١) الحديث بطوله أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٧) كتاب بدء الوحي، [٦] باب في فاتحته، ومسلم في صحيحه [٧٤ - (١٧٧٣)] كتاب الجهاد والسير [٢٦] باب كتاب النبي إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام.
(٢) قوله: "قلت يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف": أما الصلة فصلة الأرحام وكل ما أمر اللَّه به أن يوصل، وذلك بالبر والإكرام وحسن المراعاة، وأما العفاف: الكف عن المحارم وخوارم المروءة؛ قال صاحب المحكم: العفة: الكف عما لا يحل ولا يحمل، يقال: عف يعف عفةً وعفافًا وعفافةً وتعففًا، واستعفَّ، ورجل عفٌّ وعفيف، وأنثى عفيفة، وجمع العفيف: أعفة وأعفاء. (النووي في شرح مسلم (١٢/ ٩١) طبعة دار الكتب العلمية).
(٣) سورة الشعراء (٢١٤).
(٤) قوله : "غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها" ضبطناه بفتح الباء الثانية وكسرها وهما وجهان مشهوران، ذكرهما جماعات من العلماء، قال القاضي عياض: رويناه بكسر الباء وفتحها؛ من بله يبله، والبلال الماء. ومعنى الحديث: سأصلها، شبهت قطيعة الرحم بالحرارة ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة، ومنه بلوا أرحامكم: أي صلوها. (النووي في شرح مسلم (٣/ ٦٨) طبعة دار الكتب العلمية).
(٥) أخرجه مسلم في صحيحه [٣٤٨ - (٢٠٤)] كتاب الإيمان [٨٩] باب في قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ =

<<  <  ج: ص:  >  >>