للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو الغصن. والمُدْيَةُ. بضم الميم وكسرها: السكين. والحلوب: ذات اللبن. والسؤال عن النعيم (١) سؤال تعديد لا سؤال توبيخ وتعذيب. وفيه من فوائد الجوع ثلاثة؛ معرفة قدر نعمة اللَّه في رزقه، وتعظيم شكره، وإدخال السرور على قلب المَزور وتكثير الأجر له، ووجدان حرقة الجوع وألم المخرج من البيت، فبئس الضجيع. وفي ذلك من انكسار النفس وخضوعها واستصغار الحاجة والفاقة ما يدفع طغيانها ويردها إلى العبودية التامة أعظم رد، ومحال عليها أن تنازع الربوبية في إزارها أو ردائها ونحو ذلك ما ينشبه من عرفان كماله. وهذا الأنصاري الذي لقوه هو الهيثم بن التيهان، كذا جاء في رواية الترمذي وغيره.

وثامنها: حديث خالد بن عمير العدوي قال: "خطبنا عتبة بن غزوان. وكان أميرا على البصرة. فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن الدنيا قد آذنت بصُرم (٢) وولت حَذَّاء، ولم يبق منها إلَّا صُبَابَة كصُبَابَة الإناء يتصابُّها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم؛ فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنم فيهوى فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعرًا، وواللَّه لتملأنَّ، أفعجبتم؟

ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول اللَّه ما لنا طعام إلَّا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا، فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك (٣) فاتَّزرت بنصفها واتَّزر سعد بنصفها، فما أصبح اليوم منَّا أحد إلَّا أصبح أميرا على مصر من الأمصار، وإني أعوذ باللَّه أن أكون في نفسي عظيما وعند اللَّه صغيرا، وإنها لم تكن نبوة قط إلَّا تناسخت حتى يكون آخر عاقبتها ملكًا فستخبرون وتجربون


(١) روى الترمذي في سننه (٣٣٥٨) في تفسير القرآن، من سورة التكاثر، عن أبي هريرة: قال رسول اللَّه : "إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة. يعني العبد. من النعيم أن يقال له: ألم نصح لك جسمك ونرويك من الماء البارد".
(٢) أما آذنت فبهمزة ممدودة وفتح الذال: أي أعلمت، والصرم بالضم: أي الانقطاع والذهاب، وقوله: حذاء: بحاء مهملة مفتوحة ثم ذال معجمة مشددة وألف ممدودة: أي مسرعة الانقطاع، والصبابة، بضم الصاد: البقية اليسيرة من الشراب تبقى في أسفل الإناء، وقوله: يتصابها أي يشربها، وقعر الشيء أسفله، والكظيظ الممتلئ. [النووي في شرح مسلم (١٨/ ٨٠)].
(٣) هو سعد بن مالك بن أهيب، أبو إسحاق القرشي الزهري، وهو سعد بن أبي وقاص، أحد العشرة المبشرين، صحابي مشهور، أول من رمى بسهم في سبيل اللَّه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، توفي سنة (٥١). [انظر التهذيب (٣/ ٤٨٣)، التقريب (١/ ٢٩٠)].

<<  <  ج: ص:  >  >>