للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاعتياده مضيع لكثرة الخيرات، ومتى تصل الفاقة إلى تقوُّت ورق الحُبْلة والسمر متى يعقد مثله.

الحادي عشر: حديث أبي هريرة مرفوعًا: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا" (١) أخرجاه. أي ما يسد الرمق، قاله أهل اللغة والغريب. أي لا ناقصا عنه ولا زائدا عليه، وهو ترغيب (٢) بديع ومدح مُطْر، لا سيما إذا بلغ معه وإذا سألت فأعظم الرغبة فإنه يظهر به البرهان.

الثاني عشر: حديث أبي هريرة قال: "واللَّه الذي لا إله إلَّا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشدُّ الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب اللَّه ما سألته إلَّا ليُشْبعَني، فمرَّ ولم يفعل، ثم مرَّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب اللَّه ما سألته إلَّا ليُشْبِعَني، فمر فلم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: "أبا هِرّ". قلت: لبيك يا رسول اللَّه. قال: "الحق". ومضى فتبعته، فدخل فاستأذن فأذن لي فدخل فوجد لبنا في قدح فقال: "من أين هذا اللبن؟ " قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة. قال: "أبا هِرّ". قلت: لبيك يا رسول اللَّه. قال: "الحق إلى أهل الصُّفَّة (٣) فادعهم لي".

قال: وأهل الصُّفَّة أضياف الإسلام لا يأوُون إلى أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئًا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصُّفَّة، كنت أحق أنا أن أُصيب من هذا اللبن شَربة أتقوى بها، فإذا جاء أمرني فكنت أنا أعطيهم وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن! ولم يكن من طاعة اللَّه وطاعة رسوله


(١) أخرجه البخاري في صحيحه (٦٤٦٠) كتاب الرقاق [١٧] باب كيف كان عيش النبي وأصحابه وتخليهم من الدنيا، ومسلم في صحيحه [١٨ - (١٠٥٥)] كتاب الزهد والرقائق في مقدمته، وابن ماجه (٤١٣٩)، والترمذي في سننه (٢٣٦١)، وأحمد في مسنده (٢/ ٤٤٦، ٤٨١)، وابن أبي شيبة في مصنفه (١٣/ ٢٤)، والبيهقى في سننه (٢/ ١٥٠)، والزبيدي في الإتحاف (٨/ ١٥٢).
(٢) قوله : "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا" قيل كفايتهم من غير إسراف، وهو بمعنى قوله في الرواية الأخرى "كفافا" وقيل: هو سد الرمق. [النووي في شرح مسلم (١٨/ ٨٣) طبعة دار الكتب العلمية].
(٣) الصفة: مكان مظلل في مسجد المدينة المنورة كان يأوي إليه فقراء المهاجرين، ويرعاهم الرسول ، وهم أهل الصفة. وهذا الحديث أخرجه البخاري، وسيأتي في آخره، وكذلك أحمد بن حنبل في مسنده (٢/ ٥١٥)، والبيهقي في السنن الكبرى (٧/ ٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>