للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التقحُّل. أخرجه أبو داود. والبذاذة. بفتح الباء والذالين المعجمتين: رثاثة الهيئة وترك فاخر الثياب. والتقحُّل بالقاف والحاء، قال أهل اللغة: هو الرجل اليابس الجلد من خشونة العيش وترك الترفه. وفيه مدح البذاذة والتعويض بأن التَّرَفُّهَ مجانب للإيمان، وهو كذلك، فطوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد يوم لم يره.

الحديث الثامن بعد العشرين: حديث جابر بن عبد اللَّه قال: "بعثنا رسول اللَّه وأمَّر علينا أبا عبيدة نتلقَّى عير قريش وزوَّدنا جرابًا من تمر لم يجد لنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة (١) قال: فقلت: كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: نمَصُّها كما يَمَصُّ الصبي ثم نشرب عليها الماء فتكفينا يومنا إلى الليل، وكنا نضرب بعصيِّنا الخبط ثم نبله بالماء فنأكله. قال: وانطلقنا إلى ساحل البحر. . . فذكر قصة العنبر الذي أكلوا منه وتزودوا" (٢) أخرجه مسلم. والجِراب بكسر الجيم أفصح من فتحها. ونمَصُّها بفتح الميم، والخَبَطُ: ورق معروف. وفيه معرفة قوله تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾ [الطلاق: ٧] (٣) الآية. فأبو عبيدة لما قدِرَ عليه رزقه صرفه تمرة تمرة فمضت، ولما وُسِّعَ عليهم بالعنبر أكلوا منه حتى سمنوا وتزودوا، فالتقلل (٤) مراتب ولكل مرتبة أحوال تناسبها.

الحديث التاسع بعد العشرين: حديث أسماء بنت يزيد قالت: "كان كُمُّ رسول اللَّه إلى الرُّصْغِ" (٥) رواه أبو داود والترمذي وحسنه. والرُّصغ بالصاد. وهو بالسين أيضا: المفصل بين الكف والساعد. فالقصد في الفقر والغنى مطلوب لا في


(١) أما إعطاء أبي عبيدة إياهم تمرة فإنما كان في الحال الثاني بعد أن فني زادهم وطال لبثهم، والظاهر أن قوله: تمرة تمرة إنما كان بعد أن قسم عليهم قبضة قبضة، فلما قل تمرهم قسمه عليهم تمرة تمرة ثم فرغ وفقدوا التمر ووجدوا الماء لفقدها وأكلوا الخبط إلى أن فتح اللَّه عليهم بالعنبر. [النووي في شرح مسلم (١٣/ ٧٣) طبعة دار الكتب العلمية].
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه [١٧ - (١٩٣٥)] كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، [٤] باب إباحة ميتات البحر، وأبو داود في سننه (٣٨٤٠)، وأحمد بن حنبل في مسنده (٣/ ٣١٢)، والبيهقي في السنن الكبرى (٦/ ١٩٤، ٩/ ٢٥١).
(٣) سورة الطلاق (٧).
(٤) في هذا بيان ما كان الصحابة عليه من الزهد في الدنيا والتقلل منها والصبر على الجوع وخشونة العيش وإقدامهم على الغزو مع هذا الحال. [النووي في شرح مسلم (١٣/ ٧٢) طبعة دار الكتب العلمية].
(٥) أخرجه أبو داود في سننه (٤٠٢٧) كتاب اللباس، باب ما جاء في القميص، والترمذي في سننه (١٧٦٥) كتاب اللباس، باب ما جاء في القميص، والنسائي في الكبرى، كتاب الزينة، باب لبس القميص، وابن أبي شيبة في مصنفه (٨/ ٢١١)، والتبريزي في مشكاة المصابيح (٤٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>