للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروينا من حديث أبي يزيد عن أبي موسى الأشعري قال: "خرجنا مع رسول اللَّه في غزاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا ونقبت قدمي وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخِرَق فسميت غزوة ذات الرِّقاع (١) لما كنا نُعصِّب على أرجلنا من الخرق. قال أبو بردة: فحدث أبو موسى بهذا الحديث ثم كره ذلك وقال: ما كنت أصنع بأن أذكره؟! قال: كأنه كره أن يكون شيئًا من عمله أفشاه" (٢) أخرجاه (٣).

وروينا من حديث عمرو بن تغلب أن رسول اللَّه أُتِيَ بمال أو شيء فقسمه فأعطى رجالا وترك رجالا، فبلغه أن الذي ترك عتبوا، فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد، فواللَّه إني لأعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحب إليَّ من الذي أعطى، ولكني أعطي أقوامًا لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع وأَكِل أقواما إلى ما جعل اللَّه في قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو بن تغلب". فواللَّه ما أحب أن لي بكلمة رسول اللَّه حُمر النعم" (٤) أخرجه البخاري. والهلع: هو أشد الجزع، وقيل: هو الضجر.

وروينا من حديث حكيم بن حِزام مرفوعًا: "اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستعفف يُعفه اللَّه ومن يستغن يُغنه اللَّه" (٥) أخرجاه، والسياق للبخاري.


(١) قوله: "فسميت ذات الرقاع لذلك" هذا هو الصحيح في سبب تسميتها، وقيل: سميت بذلك بجبل هناك فيه بياض وسواد وحمرة، وقيل: سميت باسم شجرة هناك، وقيل: لأنه كان في ألويتهم رقاع، ويحتمل أنها سميت بالمجموع. [النووي في شرح مسلم (١٢/ ١٦٥) طبعة دار الكتب العلمية].
(٢) قوله: "وكره أن يكون شيئًا من عمله أفشاه" فيه استحباب إخفاء الأعمال الصالحة وما يكابده العبد من المشاق في طاعة اللَّه تعالى، ولا يظهر شيئًا من ذلك إلا لمصلحة مثل بيان حكم ذلك الشيء، والتنبيه على الاقتداء به فيه ونحو ذلك، وعلى هذا يحمل ما وجد للسلف من الأخبار بذلك. [النووي في شرح مسلم (١٢/ ١٦٥، ١٦٦) طبعة دار الكتب العلمية].
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه (٤١٢٨) كتاب المغازي، [٣٣] باب غزوة ذات الرقاع، ومسلم في صحيحه [١٤٩ - (١٨١٦)] كتاب الجهاد والسير، [٥٠] باب غزوة ذات الرقاع.
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه (٩٢٣) كتاب الجمعة، [٢٩] باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد.
(٥) أخرجه البخاري في صحيحه (١٤٢٧) كتاب الزكاة، [٢٠] باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، ومسلم في صحيحه [٩٥ - (١٠٣٤)] كتاب الزكاة، [٣٢] باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى وأن العليا هي المنفقة وأن السفلى هي الآخذة، والترمذي (٢٣٤٣، ٢٤٦٣)، والنسائي (٥/ ٦١، ٦٩ - المجتبى)، وأحمد في مسنده (٢/ ٤، ٦٧) والبيهقي في السنن الكبرى (٤/ ١٧٧، ١٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>